لا اسم لي، ولا عمر يُناسبني، لا رحم احتواني، فسدت قبل أن يضعوني في فم النار، وفجأة رأيتني أتشكل طيناً في المنام، وآلمني حين غرست أمي يدها الحديدية في كتفي واستيقظت من عدمي..
أسمتني يوماً صديقةٌ لي حاضِرة غائِبة (عاصِفة المعاني)، وأنا أعجز عن وصف كركَبتي الآن، إلا أن أكثر شيء يمكن أن يكون مناسباً لوصفي هو أني لامرئية، لا أحد يراني، يعبرون على قلبي كأنه رصيف مشاه، يرمون سهاماً حادة عليه كأنه لعبة التصويب..!
صديقة أخرى شتمتني بروعة مطلقة قائلة:
- أنت لست من هذا العالم، ليعيدوك إلى بطولتك المطلقة في الكتب، أو كوب شاي فرنسي في مؤخرة الشاشة..
لم أنسَ كلمات معلمة الفن لي حين وضعت جهدي في رسم استفهام كبير مليء باستفهام صغيرة، وحين باغتتني من فوق رأسي المليئة بالاستفهامات، سألتني: ما هذا؟
قلت لها: الحياة، صوبت لي نظرة استغراب و طردتني خارجاً، وتحولت لعلامة تعجب حتى خرجت من غرفة الصف، ووقفت قبالتي معبرة عن فن فارغ، واعطتني السماح والعودة لغرفة الصف ملوحة بيدها ألا أكررها، وكوني خلقت مُطيعة، لم أكررها وحين مرّت بي ورأت الفراغ يلهو في ورقتي، سألتني ما هذا؟ قلت: فراغ كبير..
وقتها قالت شيئاً رائعاً يُشبه الشعر الذي لا يفهمه أحد عدا المقصود:
إن جياد عنادك ستقودك للخلف..
أبي الذي كلما ناقشتهُ ورددتُ عليه بأسلوبه نفسه قال لي أنت بلوة، وأتهم أسلوبه المراوغ في نفسي..!
أنا إحدى القصص المجرحة في أغنيات فيروز، وضحية ذلك الشاب قليل الحجم، كبير القلب الذي أحبني بصمت وأنجب القبلات مني، وحين سألته عن سبب يدعوه لمحبتي، لم يقل ابتسامتك، وعيونك، تلك الأشياء البلهاء المعتادة التي لا دخل للإنسان بها، بل هي عطاء من رب كريم، بل كانت إجابته مذهلة "طرافة الحديث المغلف بأطنان من الجدية"
تركته لأني شعرت بأن أحدهم يراني وأنا اللامرئية التي لم تراني أمي منذ ولادتي، ولم أشم رائحة الحب في فساتينها كلما عبرت.. فخفت كما تخاف الأضحية من سكين ذابحها..
ظنتني ملاكاً، وأنا حزب من شياطين تدور الآن في رأسي مُسببةٌ كُل هذه الكركَبة!
في أول يوم زواج لي، ظنوا أنني خرساء، عشت الأيام من دون تأوه أو تأفف، وأنجبت من دون أن أطلق صرخة واحدة وكانت فتاة، فكبرت باسم الله وقلت سأعلمها الحياة والحياء، فأخذوها مني قائلين إنها لعنة، وأعطوها للأخ الأكبر لأنه يُجيد التعامل مع اللعنات، منذ أخذوا التجربة الأولى للحياة مني أصبحت منتصفاً مميتاً، أغلقت رحمي، وأقفلت على نفسي كل باب حاولوا فتحه لأنجب مرة أخرى، وأجساد النساء طوع إرادتهن متى ما أردن..
حاولوا تغييري ولم يستطيعوا، فقتلوني حين طالبوها ألا تقترب مني، لأني ساحرة سوف تُصيبها لعنتي، فصدقت وهم القبيلة، فنذرت الصمت ورحت أبحثُ عني.. بينَ كُل هذه الفوضى لحكاية الحلم الذي راودني..