ماذا لو كانت الشمعة تظنّ أن الريح تراقصها.. أنّ الريح تمدّ لها أيديها لعناق حميم، فتهتزّ لها شعلتها نشوةً وفرحاً؟..
ماذا لو كانت الشمعة تظنّ زفير الريح تنهيدة عشق وشغف؟..
ماذا لو في المقابل، كانت نيّة الريح مراقصة الشمعة فعلاً، وما تلك النسمات القاتلة التي تطفئ شعلة الشمعة إلا أنفاس الريح المتلهفة العاشقة؟..
ماذا لو كانت الفراشة تظنّ أن الضوء يغازلها، ينير لها الطريق لترقص أجمل، فتلتصق فيه حتى الموت؟..
وماذا لو كان الضوء حسن النيّة، يظنّ أن الفراشة في انجذابها إليه تختار قدرها بنفسها، تختار أن تموت هياماً به، لأن حياتها من دونه ظلامٌ فيناديها شعاعه لنهايتها؟..
ماذا لو كان العنكبوت يظنّ أنّ ما ينسجه في الزوايا حريرٌ ثمين، يعجب كلّ من يراه ولا يزعجه؟.. ماذا لو كان في نيّة العنكبوت تزيين المكان وتجميل الزوايا الفارغة وإضفاء الحياة عليها؟..
ماذا لو كان قصد صرصار الليل من صراخه المتواصل تسلية ذاك الشخص الوحيد الجالس وحده في القيظ والعتمة؟.. ماذا لو كان يحتاج أن يخبره شيئاً، أن يشاركه سهرته؟.. ماذا لو كان هو أيضاً يشعر بالوحدة والضجر ويحاول لفت انتباه من يزعجه صريره؟..
ماذا لو كان العصفور الذي يطير بأمان فوق رؤوس البشر يظنّ أنّ عيون البنادق الموجّهة نحوه مجرّد نظرات إعجاب؟.. وماذا لو كانت تلك الطلقة تظنّ نفسها رسالة حبّ من عيون البندقية إلى بسمة العصفور؟..
ماذا لو كان في خاطر الشخص الذي جرحنا كلام آخر غير الذي قاله؟.. ماذا لو خانت كلماته أفكاره الحقيقية بلا قصد منه؟..
ماذا لو كانت شدة الاقتراب رغبة بالتماهي والتشابه غيرةً وحسداً؟.. وماذا لو كان عنف الابتعاد عشقاً عظيماً وهروباً من الفشل؟.. ماذا لو.. أمور كثيرة كان القصد من خلفها مختلفاً؟.. أمور كان يمكن أن تحدث بطريقة أخرى لو توضّحت أسبابها.. هل كان سيتغير أي شيء؟
ماذا لو؟...
كلّا.. لم يكن سيتغير أي شيء.. فالنتيجة ببساطة لا تتأثر بالنوايا. ستظلّ أذرع الريح تطفئ نور الشمعة حتى لو كان في نيتها مراقصتها، وسيظلّ الضوء يشدّ الفراشة نحو حتفها الأخيرحتى لو حاولنا التبرير له.. وستبقى شبكة العنكبوت تشويهاً سنسعى لإزالته حتى لو شعرنا نحوه بالشفقة، وسيظل صوت صرصار الليل مزعجاً حتى لو فهمنا نواياه، وستظلّ الطلقة تقتل العصفور، وستجرحنا الكلمات القاسية دائماً حتى لو عن غير قصد.. وسيظلّ الحسد حسداً حتى لو بالاقتراب والابتعاد هروباً حتى لو من شدّة العشق.
فماذا لو؟؟ لا شيء..
لا شيء كان سيختلف، حتّى لو..