هي الأمّ ..

مريم شمص
مريم شمص
مريم شمص

خلف كل امرأة ناجحة، امرأة أخرى سقتها الحبّ حتى ارتوت روحها، واشتدّ عود قلبها، واستنار فكرها، واستقام بنيان نفسها..

وخلف كلّ رجل ناجح، امرأة أخرى أغدقت عليه الاهتمام والرعاية، شذّبت أغصان رجولته لتصبح أقوى، وشدّت مفاصل أفكاره لتصبح أمتن، واعتنت بتفاصيل مشاعره لتصبح أعمق وأعذب..

خلف كلّ إنسان سويّ في هذه الحياة امرأة حملت وحضنت ورعت واعتنت وأحبّت.. حملته في عينيها ودفء روحها قبل رحمها.. حضنته بمشاعرها الفياضة قبل ذراعيها، أحبّته كما لا يحبّ أحدٌ أحداً، إلا امرأةٌ مثلها، إلّا أمّ مثلها..

هي الأمّ، ومن مثلها؟ من يمكن أن يحلّ مكانها؟ أيّ مكان سحريّ عجيب في هذا الكوكب يمكن أن يمتلك دفء حضنها؟ أيّ عطر يمكن أن يشابه عطر حنانها؟ أيّ احتواء في العالم يمكن أن يوازي نظرة حبّ من عينيها.. أيّ راحة يمكن أن تماثل غمرةً من عناقها.. أيّ انتماء يمكن أن يتماهى مع الشعور بالقرب منها؟؟

هي الأمّ.. أيّ صديق يمكن أن يسمعنا بكلّ حواسه وخلايا وجوده كما تسمعنا.. أيّ حبيب يمكن أن يفهم كما هي تفهم لغة نبضنا حين نخجل أو حين نتحمّس، حين نخاف أو حين نطمئن، حين نحب أو حين ننفر، حين نرتاح أو حين نتألّم.. أيّ قريبٍ مهما بلغت درجة قربه، يحفظ كما تحفظ، خريطة روحنا.. أين تكمن المتاهات، وأين طاقات النجاة، وأين أقبية القلق، وأين أزقّة الخوف المظلمة، وأين الشبابيك المفتوحة على الفرح.. أين مستودعات الطفولة، وأين الأدراج التي خبّانا فيها خيباتنا، وأين الحدائق السرّية التي زرعنا فيها بذور أحلامنا الأولى.. أيّ طبيب يمكن أن يكشفَ كما تكشفَ مواضع الألم في قلوبنا، وعمق الشروخ فيها وعلاج جروحها..

هي الأمّ، هي النظرة الأولى التي لفّتنا بالأمان، هي الحضن الأوّل الذي منحنا الطمأنينة، هي اليد الأولى التي أرشدتنا في الدروب، هي الدمعة الأولى التي نزلت لوجعنا، هي الضحكة الأولى التي شعّت في عيوننا..

هي المعجب الأوّل بنا مهما كثرت إخفاقاتنا، والعاشق الأوّل لنا مهما زاد جفاؤنا، والمصفّق الأول لخطواتنا مهما تعثرنا.. هي التي مهما أظلم العالم من حولنا أضاءت ابتسامتها وجوهنا، ومهما قست الدنيا علينا رشّت على جراحنا ماء الزهر والورد..

هي الأمّ، الحبيبة الأولى والصديقة الأوفى وحارسة أعمارنا وحاملة همّنا. هي التي رضاها طريقنا إلى الجنة ودعاؤها يفتح لنا الأبواب الموصدة، هي التي قربها سعدٌ، وحضنها حديقة ورد، وبيتها جزيرة الأمان في لجج العالم المجنون..

حفظ الله أمّي وأمهات الجميع ومنحهن الصحة والقوّة وأطال في أعمارهن، فكلّما كان عمر الأمهات طويلاً كان عمر الفرح والخير في أعمارنا طويلاً..