وعكة محتوى

محمد المحيا
محمد المحيا
محمد المحيا

يقول المثل العربي أَخْفَقَ حالب التيس.
وأضيف إليه أخفق كل من راهن على قيام مشاهير مواقع التواصل بمهام ومسؤوليات وسائل الإعلام، ومن ينتسبون إليها من صناع المحتوى الهادف الذي يخاطب العقول، ويصنع الرأي العالم ويحمل في مضامينه الحجة والدلائل، وفيه بعد النظر وسلامة البناء.
يتكرر مشهد خواء المحتوى في كل عام بسبب الاعتماد على (مشاهير مواقع التواصل)! فتحصل الوعكات والمطبات في المحتوى الذي يقدم، ويزداد الأمر سوءاً عندما تهبط لغة البرامج التلفزيونية والإذاعية إلى ذلك المستوى الذي لا تملك أمامه إلا إغلاق الجهاز كاملاً وركوب دراجتك الهوائية لحرق سعرات حرارية قبل أن يحرق ذلك المحتوى السيء ما بداخلك وداخل عائلتك من قيم.
يجب أن يواجه المسؤولون في وسائل الإعلام الواقع ويكونوا واعين ومدركين لأسس ومعايير المحتوى المؤثر الذي يريد من قيمة الوسيلة الإعلامية ويكرس احترام الجمهور لها ولما تقدمه، فالمحتوى الجيد ينبع من ثقافة وقيم المجتمع، ويخاطب العقول قبل البطون ويرفع من مخزون طاقاته الشبابية ثقافياً، وينمي لديهم الحس الوطني والمعرفي، وهذا كله لا يعني إقصاء الكوميديا من المشهد، ولكن يجب أن يكون العمل محاكياً للابتسامة لا تقليداً يتلوى جوعاً وخالياً من الإبداع.
المال لدى المؤسسات الإعلامية في السعودية خاصة والخليج عامة موجود، ينقصه فقط قيام تلك المؤسسات أو بعضها بتفعيل خاصية المهنية ومنح أهل المهنة حقهم في المشاركة، وتصحيح المشهد البرامجي والدرامي والكوميدي في رمضان وغير رمضان؛ لكي لا تصاب جبهتنا الإعلامية في مقتل أكثر مما هي مصابة بسبب تمكين فئة لا تفقه من المحتوى إلا الاستجداء والاستعطاف، وغالباً الكذب بمقولة ارفع الشاشة إلى أعلى.
أعلم جيداً أن المعطيات التقنية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الرياضية قد تغيرت في العالم كله ومن الطبيعي جداً أن الإعلام بكل ألوانه يواكب بل يجب أن يواكب تلك التغييرات المتسارعة، ولكن هناك ثوابت لا يجب أن تخرج عنها تلك الوسائل وأقدسها الهوية الثقافية للمجتمع الذي تنتمي إليه، فكثيرون حاولوا الخروج تحت مظلة التطوير، ولكن وقعوا في مستنقع الفشل وخسروا جمهوراً كان لعقود وفياً للمؤسسة الإعلامية، خسروه لأنه جمهور مدرك ولديه من الوعي والذكاء الكثير لكي يحكم على ما تقدمه وسائل الإعلام من محتوى، ويعلم جيداً من هو الكفء الذي يضيف لذلك المحتوى عندما يقدمه بشكله النهائي.
وكما أخفق حالب التيس فإن فاقد الشيء لا يعطيه.