ها أنا بدأت بالكتابة من جديد، على سبيل التعرف على وجهٍ آخر، على جرحٍ آخر، على تعبٍ آخر، على مسافةٍ تسحقني بالانتظار، وأقطعها بعنادي، فهذا الأمر يستحق الاحتفاء، على أقل تقدير بيني وبين أوراقي المركونة منذ وقتٍ لا أعلم كم تجاوزني أو تجاوزته أنا.
لم يتغير الأمر كثيراً، كل ما تغيّر أني بتُّ أعمق، فقدت شهيتي في تصديق أي شيء، أو الرهان على أي شيء، الحياة غريبة بما يكفي؛ لتجعلنا نؤمن بأن لا شيء يستحق منّا كل هذا العبث الذي نقترفه من أجلِ لا أحد. أنت في النهايةِ معك أنت، شخص متروك، ضعيف ووحيد وأيضاً مهزوم من العالمين. ما الذي تنتظره بعد كي تعود كيفما كنت! مزحوماً بتفاصيلك، بنهارك، بأغنياتك، بحقولك التي تحبها، بقصائدك التي تعلقها في الأزقة، تكتبها على جدران المارة. متى ستعود لك تلك الروح العصيّة على الكدر وكأنها لم تشقَ قط!!
كم نصاً ستحتاج لكتابته عنك؟ وكم من خيبةٍ ستضعها على الأسطر؟ أفرغ غضبك، صمتك، وصوتك، تخفف بقدرٍ ما تريد، لم يعد هنالك ما يستحق السكوت عنه.
كما كان الحب يفضح ملامحنا، للحنين سطوةٌ أخرى تجملّنا تكبرّنا، تجعلنا أعمق، أعمق مما كنا عليه ونحن بين ذراع الهوى. إني حزينة ببهجةٍ لا أعرفها، أجمع تضاد الشعور في قلبي وأمضي أجر حسرتي، وأنا أعانق خواء هذا العالم بمفردي. أحتفي بالذكرى، باللوعة، بأرقِ الليل وببقايا عطر لم تبرد رائحته فيني بعد، هكذا أمارس نسياني، هكذا أدعي النسيان فأنساني أنا قبل كل الوجوه التي أسعى لمحوها مني.
أن تكتب كل ما قد علق في قلبك، هذا يعني أن حربك للتو قد بدأت، من ذا الذي سينهيها بطريقةٍ سلميّة قبل أن نفقد الكثير منّا؟
هل أنت وحيدٌ؟ خائفٌ من العتمة؟ لا أحد يسمعك؟ حتى صداك لم يعد مدوياً؟
هل تريد البكاء؟ الصراخ، الغناء، قول كل شيء واللا شيء! هذه فرصتك فلتفعل ما تريد، فالظلام حليفنا، أتظنه سعيداً، مبتهجاً، لا يا عزيزي فهو أشد تعاسة منّا، لذلك هو يغطينا، يستر عورات وجعنا كأمٍّ رؤوم تخشى كثيراً على صغارها من عبث الأيام.
لا تخف وقل ما تريد، فأنت ورقتك التي ستقرؤها على الدوام.