لماذا أمست بعض الوجوه من حولنا تتغير بشكل مفاجئ، وكأنها رؤوس قابلة للتبديل وللتركيب!
وكيف استطاعت كل تلك الأقنعة أن تتساقط دفعةً واحدة، ولم تتناوب الوجوه في التخلي عن أقنعتها؟ وأين غابت تلك الملامح التي أحببناها وكأنها لم تكن؟ وأية فرشاة تلك التي غافلت الرسام فتسللت من يده إلى المساحات البيضاء، وتلاعبت بألوانها وتفاصيلها، وحولتها إلى لوحات بشعة المنظر؟
فبدت الوجوه الجديدة وكأنها في حفلة تنكرية بملامح مختلفة لا تشبه ملامحها الأصلية، وأمسى ارتداء القناع هو الوسيلة الأسهل للنجاح في علاقة ترفض صدق الوجوه الحقيقية!
فهل أصبح من الصعب الاحتفاظ بوجه حقيقي إلى هذه الدرجة؟ لنجد أنفسنا فجأة وبلا تهيئة نفسية مرغمين على التعامل مع مجموعة من الأقنعة؛ فنبتسم لقناع، ونُقبّل قناعاً، وننصت لقناع، ونمسح دموع قناع، وكأننا نؤدي دورنا في مسرحية صامتة.. مع أشخاص بيننا وبين أرواحهم جدران صلبة لا تُسرب إلينا صوت نواياهم مهما اقتربنا منهم.
فماذا لو كان للنوايا صوت؟
هل كنا سنتقبل وجودهم في حياتنا ونحن ننصت لصوت نواياهم بوضوح؟ هل كانت لعبة الأقنعة ستنجح كل هذا النجاح المدهش؟ وهل كانت ملامحهم ستبدو أمامنا مطمئنة إلى هذا الحد؟ وهل ستتقارب الأرواح بكل هذا الأمان وبلا خطوط حمراء أومناطق محظورة؟
وهل كنا سنبتسم للوجوه التي تجمعنا بها ممرات الحياة؟ هل كنا سنصافح بود كل الذين يتواجدون في محيطنا؟ هل كنا سنسرد حكايات الشوق والحنين على الغائبين عند العودة؟ هل كنا سنصدق الوعود التي تُزرع في قلوبنا كما نفعل دائماً؟
هل كانت أجندة الأصدقاء ستزدحم بالأسماء، وتكون قائمة أمنياتنا المشتركة معهم بلا انتهاء؟
ربما يرعبنا مجرد التخيل بأن يكون للنوايا صوت.
لإدراكنا أن المساحات الآمنة ستتقلص كثيراً، وأن العزلة ستصبح هي المكان المفضل لدى الكثير من الأرواح التي ستفشل في التأقلم مع بشاعة النوايا.
وربما لهذا جاءت النوايا خرساء بلا صوت؛ فأصواتها كانت ستؤلمنا جداً، وسيكون الإنصات إليها أبشع من سقوط الأقنعة من على تلك الوجوه التي وثقنا بها، قبل أن نكتشف أنها كانت عبارة عن لوحات فنية زُخرفت بدقة متناهية، وثُبتت بشدة كي تصمد في موقف أو مرحلة ما، وكنا نحن النصف الآخر الذي تعامل بلا أقنعة، في ذلك الموقف وتلك المرحلة.
قبل النهاية بقليل:
خذلانهم لنا.. هو صوت نواياهم الذي تأخرنا في سماعه كثيراً!