أنتقل من ذاتي لذاتٍ أخرى فأخرى، لا يتعبني ذاك الانشطار، ولا القفز المستمر حول الشعور العدميّ، بل ما يرهقني فعلاً هو : أن لا أجدني فيهم.
البحث المستمر وراء الشحوب، وماهيّة الأنا تثيرني، تغريني تلك الفكرة التي تمنطق الأحداث، تفنّد الذوات، تتبلور حول الوجود، ولا تنتهي الأسئلة، لا تنتهي طالما تتأرجح الأشياء من حولي ولا تهدأ.
لا ضيّر من التوّحد مع عتمة التفاصيل، لا ضيّر من التشبث بالفراغ رغم شموله، لا ضيّر بالحياد، طالما سنلقى حتفنا في النهاية، ما الفائدة المرجوة إن فعلنا عكس ذلك؟ قطعًا لا شيء، ففي بعض الأحيان قد نحتاج أن ندفع ضريبة المرحلة العمريّة التي قد اجتزناها بشق الشعور، حتى لا ندين لها بذاكرتنا وذكرياتنا أكثر.
لستُ بذلك الكمال، ولا يمكنني أن أستظل تحت الشعور المطلق كثيرًا، للأخطاءِ لذّة، وعليّ تجربتها دون توقف، فتلك الأخطاء هي من ستقودني إلى التوبة، هي من ستعرفني على إنسانيتي، بل ستصالحني عليها.
إني أتصالح مع بشاعة هذا العالم من خلالها.
كم مرّة فكرت أن أرتاد الضفة الخطر! الضفة التي قبل أن أصل إليها، لا بدّ عليّ التجرّد من ماضيّ، أن أنفض عني كل ترسبات تلك السنين، حتى أختصر السعادة بشكلها البدائيّ، وها أنا أطبق جفنيّ، أستسلم لعتمة الأفكار، أدورُ كثيرًا في الظلام، أبحث عن ضوء، عن حلمٍ أبيض، يضفي الحياة لروحي الشاحبة، فأفشل.