نتنقَّل بين المراحل العُمْريّة دون تأخير، ونُغير مراحلنا بانْتِظام حتى حين لا نرغب بذلك، فحسب قانون الأيام نحن لسنا مُخَيَّرين بين البقاء في مرْحَلة معينة أو الخروج منها لأخرى، وربما لو خُيرنا، لاخْترنا البقاء في المرْحلة الأحب إلينا، وأغْلقنا أبوابها علينا...
لكن هذا لايحدث أبداً... لذا وجدتني أتنقل مُسَيرة بين المراحِل، وأغادر المرحلة التي أحبها مرغمة، وتبوء كل محاولاتي للبقاء فيها بالفشل..
لكن ومع تكرار الوجع تعلمتُ أن لا أتعلَّق بمرحلةٍ دون سواها، وأصبحت أُغلق المراحِل بِلا تَرَدُّد، ثم أعود إلى نفسي كطفلة وحيدة، كلما اسْتيقظت في الظلامِ، أغْمضت عينيها بقوّة لتُغادر العتمة، ظناً منها أن الأشياء التي نغمض أعيننا أمامها، تختفي من أمامنا..
فيومها كنت في سِن لا أعي فيها المعنى الحقيقي للفراق، ولا معنى أن أحزم حقائبي كي أغادر تلك الحكاية التي كانت بمثابة الوطن الأول لأحلامي..
ولا معنى أن ألوح مودعة لرجل كان وطني الوحيد الذي أنتسب إليه..
لكني أدركتُ عندها أنني أتعرض لهزة نَفْسيّة مُخيفة، وأن ذلك الخوف الذي شعرت به وأنا أتلفظ بكلمات الوداع لن يمر في داخلي بسلامٍ، وأنه سيترك بي من الأثر السيئ ما سيترك..
فبعد مغادرتنا للحكايات تنقسم حياتنا إلى مرحلتين، مرحلة ماقبل الفراق، ومرحلة ما بعد الفراق، ولا أعلم أي المرحلتين هي المرحلة الحقيقية في عمري، لكني على يقين أن مرحلة مابعد الفراق كانت هي المرحلة الأقسي..
فعلاقتي بالفراق بدأت في سِن مبكرة جداً، فأنا كنت كدُمْية صغيرة، غَيَّرَ أحدهم مكاني من الرَف الذي اعتدت التواجد فيه، ووضعني فوق رَف آخر، وفي مكانٍ مختلف تماماً.. لأجد نفسي فجأة بين مجموعة من اللُعب الغريبة..
فكل الذين رأيتهم في حياتي كانوا بالنسبة لأنثى في حالة فراق مجرد لُعب مُتِحركة، دُمى بلا أرواح، كأن أحدهم يحرك خيوطها بأصابعه فتتحرك حسب رغباته وأهوائه، دون أن يتوقف أحدهم ليعترض أو ليتمرد، أو ليغير طريقه المرسوم له مسبقاً، فالجميع كانوا في حالة اسْتِسْلام تام لذلك المتلاعب بخيوطهم.
قبل النهاية بقليل:
مراحلنا المفضلة، هي حيواتنا الحقيقية، وما دونها مجرد أدوار مُعَلَّبة المشاعر والأحداث والكلمات!