المِرْآةُ الصَديقة

شهرزاد


المِرْآة... الصديقة الخفيّة في حياةِ أغلبنا..
إنها قِطْعة الزجاج التي تخلَّصت من جُمودها وتسلَّلت إلى أجِنْدةِ الأصدقاء، لتكون الصديقة الأقْرب إلينا من بين الكثيرِ من الرفاقِ... فهي تجيد الصمت، والإنْصات، وكتم الأسْرار، أو هكذا كنا نظنُّ دائماً..
وربما لا يتذكَّر أكثرُنا متي بدأت علاقته بالمِرْآةِ، لكنها علاقة قد تستمر في حياتنا لسنواتٍ طويلة... ففي حياةِ الكثير منا هناك صديقة سِريّة، مرآة نلجأ إليها في أوقاتنا العَصيبة، تلك الأوقات التي لا يمكننا فيها الظهور بهيئاتنا الحقيقيّة، ولا الحديث ولا البكاء أمام أحد، كما نفعل أمام المرايا..
فإن كنت تجيد كشف أعماقك والبكاء بحُرّيّةٍ أمام المرْآة، فأنت شخص تثِق بالمرايا كثيراً، ربما أكثر من ثِقتك بالآخرين..
فنحن نعيش أمام المرايا كل متناقضاتنا، ونستعرض أمامها كل أوراقنا الخاصة، ونثرثر بالكثيرِ، ونحوِّل أحزاننا أمامها إلى حكاياتٍ نسْردها عليها بِلا تَردُّدٍ أو تَحفُّظ، وننجح في التعبيرِ أمامها عن كلِّ مشاعرنا وبعفويةٍ تامةٍ تخلو من التصنُّعِ..
فنمارس في حضرتها الصمت، والغناء، والرقص، والشكوى، والتذمر، والغضب، والبكاء، وكأننا نبحث فيها عن حقيقتنا التي أخْفيناها عن الآخرين، وعن تلك الملامحِ الخاصة التي لا تراها بنا سوى المَرايا..
لذا نكون أمامها بكاملِ صدقنا وعفويّتنا، ولا نضطر لتزييف مشاعرنا، ولا إلى الزخرفةِ الداخليّة كي نبدو الأجمل والأكثر سعادة، أو كي نمسح آثار الحزن من على وجوهنا..
فنحن فقط نتزخْرف أمامها خارجياً، كي تكون أعيننا الثالثة قبل الخروجِ لمواجهةِ الحياة..
فالمِرْآةِ هي الصديقة التي كانت لا تجيد الكذب علينا، لكنها مع الوقتِ أصبحت تجيده، فالإنْسان نجح في تحويلها من صديقةٍ صدوقةٍ إلى مخادعة. و..
فقطعة الزجاج تلك، والتي كانت تعكس لنا حقيقتنا كما هي بِلا رتوشٍ وبِلا خُدَعٍ وبلا تغييرات فقدت مصداقيّتها معنا.. وأصبحت تظهرنا بصورةٍ تختلف عنا تماماً، وترسم لنا على صفحتها وجوهاً غريبة علينا، ولا تمت لملامحنا الحقيقيّة بصلةٍ.. وجوه نقدمها للآخرين على أنها وجوهنا الحقيقيّة، كي تبدو الصورة في أعينهم أجمل، على الرغم من الاختلافِ المرعب بينها وبين الواقع..


قبل النهاية بقليل:
الذين يُجيدون البكاء أمام المَرايا، هم أشخاص وحيدون جداً..