ليست كل البدايات التي نعبرها، تضاهي تلك البداية التي ما زالت راسخة بأطرافِ قلوبنا، فمهما تشابهت البدايات، فهي تختلف قطعًا في مدى تطرّفها وفردانيّتها عن الأخرى، وتلك اللحظة البدائية في فكرتها وقوتها، لم أشعر بها قط، إلّا عندما أُطعم النوارس بحبٍ مضاعف، وأنا جائعة الروح، إلّا عندما أغني وأغني، فتنتهي بي الأغنيات نحو رتمٍ يشهق بالحب، إلّا عندما أفقدني في وسطِ زحام العاطفة لم أشعر بتلك اللحظة الغاشية بتمرّدها، إلّا عندما أنسى من أكون وأنا ألفظ كلمة «أحبك«.
المجد دومًا للحظات التي لا نستطيع لمسها، ولا العيش بداخلها بشكلٍ أطول، فهي الوحيدة القادرة على الحفاظ على نضارتها بجماليّة سرعتها في الرحيل، فكم من لحظة لا تتجاوز الدقيقة ظلّت ترافقنا للأمد، فقط لأنها علمت جيدًا من أين تؤكل الذكرى وتحيا.
بعض اللحظات من فرطِ السعادة التي تشع منها، تُعمينا بفعلِ جنون، وهذا هو الكمين الذي نقع فيه ونحن بملء الصخب، فهي لم تحتج للكثير للإطاحةِ بأنفاسنا، لم تحتج سوى لضعفنا المغمور أمام ربكتها، وهنا كانت كارثيّة اللا وعي الذي ابتسمنا له كحمقى ضلّوا عن صوابِ طريقهم.
يا لكميّة الغرابة التي نصطدم بها، عند كل لحظة مرتدّة عن منسوبها العاطفيّ، ويا لكميّة الوجع الذي نصافحه عند كل سقوطٍ لا نتوقعه، بسببِ لحظة واحدة، أصبحت فيما بعد كل الحياة لنا.