قالت: ثقتي فيك كان ثمنها رحلة عذاب بعد أن أوهمتني باسم الحب، ولعبت بقلبي وعواطفي، وقلبت حياتي رأساً على عقب، جردتني من مجتمعي، واستحوذت على كياني، وكنت أنصاع إليك في لهفة…. فأحببتك، وأقنعتني بأني معك سأكون دوماً في القمة، ومن فرط سعادتي حلق قلبي في السماء، ولم أشعر يوماً بأي حرمان لابتعادي عن مجتمعي، فقد عوضتني عن ذلك بحبك وحنانك.
وبعد فترة لاحظت تغيرك، وخمد الحب، وبدأت تشتكي الوحدة والملل، ولم تعد ذالك الزوج المتفاني الذي كان يحاول إسعادي بشتى الطرق.
وأول ما فكرت به كي أستعيد حبك أن أتفرغ لك، وذلك يتوجب علي أن أترك وظيفتي، فقد كانت التزاماتي كثيرة تجاهها، فما قيمة العمل إذا كان سيحرمني منك؟ أو يؤثر على سعادتي معك؟ وشعرت براحة كبيرة وسعادة أكبر بقراري، صحيح أن العمل كان ومازال يمثل لي الطموح لذاتي، وتحقيقاً لبعض أهدافي، ولكن في المقابل أنت كنت كل طموحي وجميع أهدافي، وبتركي العمل سأصبح لك وحدك، وكرست حياتي لك، وانصبت كل اهتماماتي لشخصك، وسهرت على راحتك، أجيبك قبل أن تطلب، وحولت بيتنا إلى واحة يتمنى ويحلم أن يعيش فيها أي زوجين.
ورغم كل ما بذلته زاد بعدك عني، وتعمق صمتك، فكنت تذهب وتتركني وحيدة، وأراك وأنت متقلب الأحوال، وتقضي خارج أسواري وقتاً أكثر مما تقضيه معي، وحتى أثناء وجودك تظل صامتاً، وأنت الذي كنت لا تكف عن بث روح المرح وزرع الابتسامة، التي كانت تملأ حياتي بالسعادة، حتى فقدنا لغة الحوار، وتطور تغييرك وتحول، وبدأت تهتم بأمور لم تكن يوماً من ضمن اهتماماتك، وكلما خرجت أراك تنظر إلى نفسك بغرور وإعجاب، وتهتم بكل صغيرة وكبيرة في ملابسك، وتفوح منك رائحة العطر الذي طالما أحببته عليك.... وبدأت الغيرة تدب في قلبي، والحزن يتسلل إلى قلبي والقلق يتسرب إلى فكري، وسرحت بأفكاري وتساءلت، إلى من أشكو وأنا قد ابتعدت عن الجميع من أجلك، ولأول مرة شعرت بأن مشاعري تخونني، وأحاسيسي تتخلى عني، فهربت من ذلك كله وجمعت بعضا من نفسي، واسترجعت ذكرياتي وحتى حاضري، وشعرت بأن أحاسيسي غادرتني بعدما أصبحت كأوراق الخريف الصفراء، وشعرت بأن هذه الأوراق تذكرني بك، فقد كانت في يوم من الأيام خضراء مزهرة، كما كنت أنت في يوم ما تتدفق حباً وحناناً فأين نحن اليوم من كل ذلك؟ لقد أصبحت المشاعر باهتة بلا لون أو طعم أو رائحة.
وقررت بعد فترة طويلة من السكون والسكوت والصمود أن أصارحك وأناقشك، ما دمت لم تبادر أنت بتفسير وتبرير غرابة تصرفاتك، أخبرتني بأنك قد تزوجت منذ فترة قصيرة، ألجمت المفاجأة لساني، وجلست منكمشة على مقعدي، وأنا أنظر إليك بعينين دامعتين، سألتك بتوجس: لم فعلت ذلك؟ ولم نسيت أن من كامل حقوقي أن أنعم بحياة هادئة ونحن معاً بعيداً عن المغامرات المحسوبة عليك؟ فلم تجبني لحظتها، فانفجرت دموعي، وبقلب دامٍ طلبت منك الطلاق، وبدون أي تعليق خرجت وتركتني، وبعد أيام قليلة وصلتني ورقة طلاقي بعد أن خسرت كل شيء، وأصبحت بفضلك إنسانة بلا عمل وبلا علاقات اجتماعية، وحتى أعود كالسابق أحتاج لعمر آخر.