ألا تأتي أبداً خيرٌ من أن تصلَ بعد فوات الأوان، والعكسُ ليس صحيحاً أبداً..
اعتذارُك بعد جفاف قلبٍ جرحته وانتظرك بكلّ ما يملك من أملٍ، سيفشل في انتشاله من حفرة خيبته بك.
اهتمامُك بمن تحبّ بعد حلول الصقيع بينكما، لن يفلحَ في إعادةِ الحياة لوردٍ ذبل وحيداً في عتمة الانتظار الطويل.
كلماتُك الجميلة لعزيزٍ تجاهلته وصبر عليك طويلاً، ستفقد قيمتها بعد أن يسدَّ صمغُ الخذلان آذانَه عنك إلى الأبد.
يدُك الممدودة للمشاركة نحو صديقك، لن تطالَ أبداً كفّه الذي قضمت أظافرَه أنيابُ الضّجر في غيابك عنه.
عناقاتُ أطفالك التي أجّلتها لمساءٍ آخر، قصصُ قبل النوم التي تجاهلتَ سردَها عليهم ليلةً أخرى، قبلاتهم التي أخّرتَ الحصولَ عليها يوماً إضافياً، لن تحدثَ أبداً، لا في ليلةٍ أخرى ولا في يومٍ آخر ولا في حياةٍ قادمة؛ لأنك ستصلُ متأخراً، وستتمنى لو أنك لم تصل، حين ستجد أجنحتَهم قد صارت أضخمَ من أن تُعانَقَ، ووجوهَهم أكثرَ خشونة من أن تُقَبّل، وقصصَهم أقسى من أن تُروى على وسادةٍ ملوّنة.
افعل كلّ ذلك الآن، ولا تؤخّره لوقتٍ تظنّه سيأتي.
أنت لن تعرفَ أبداً متى يتأخّرُ الوقت، متى ستفقدُ الأشياءُ معانيها، متى سيصبح الوصولُ بلا جدوى، متى سيصبح الحصولُ لزومَ ما لا يلزم.
لا تؤجّل؛ فالتأجيلُ لعبةٌ خطرة، لا تتورّط فيها.
لا تؤجّل حياةَ اليوم إلى الغد، فالحياةُ تحدث الآن، والآن فقط.
لا تؤجّل فرحَ اليوم إلى الغد، فعظمةُ الفرح في أن يكونَ طازجاً وعفويّاً.
لا تؤجّل ضحكاتك لنكتةٍ تتوقّعها أكثر مرحاً.
لا تؤجّل تصفيقَك الحارّ لمشهدٍ تتخيّله أكثر إدهاشاً.
لا تدّخر احتفالاتك لإنجازٍ تريده أكثر نجاحاً.
لا تدّخر أحلامك لـ "غدٍ" لا تعرف متى سيأتي، وكيف سيأتي، وفي أيّ حالٍ سوف تستقبله.
لا تدّخر بهجتك ليوم عيدِ، لوّن أيّامك بالبهجة لتضيءَ بألوان العيد.
لا تكدّس المشاعر تحت جلد الخجل بانتظار فرصةٍ أنسب، اجعل من اليوم الفرصةَ الأنسب.
أطلق سراحَ البوح، فالمشاعرُ في عتمة الكتمان تشيب سريعاً، والحبُّ لا يطيق رماديّةَ الشيب على ألوان أجنحته.
أطلق سراح نفسك، أطلق سراح الآخرين من سجن انتظارك، تحرّك.
تذكّر: كلّ ما هو جميلٌ، جميلٌ بمقاييس الآن. كلّ ما هو مهمٌّ، مهمٌّ بمعايير الآن. كلّ ما يستحقّ أن نحياه يستحقَ أن نحياه الآن.
تذكّر: قد يأتي الضوءُ الباهر الذي انتظرناه طويلاً حين لا نملك عيوناً تبصره، فلتكن حياتنا كلّها رحلة ضوء.
وتذكّر أن كلّ العشب الرائع الذي تزرعه لن يرى روعتَه أحدٌ إذا أينعَ بعد خطّ النهاية، وأنّ كلّ القصص التي أفنيت عمرك في كتابتها لا قيمة لها إن كانت ستُحكى بعد نوم الساهرين..
عِش، الآن؛ فكلّ ما نملكه جميعاً بشكلٍ مؤكّد، هو فقط هذا الآن. الآن ولا شيء غيره.