قد يأخذك ضجيج النعم، فتنسى أن تنصت إلى صوت روحك تهمس لك بضرورة الحمد عليها..
وقد يجرفك زحام الراحة والاكتفاء فتغفل عن استشعار قيمة ما تملك..
وقد يغمرك الهناء حتى تظنّ أن كل ما أنت فيه الآن بدهيّ واعتيادي، امتلكته إلى الأبد ولن تفقده يوماً.
ولذلك، حين يبتليك الله ببعض النقص في كلّ ما امتلكته، تشقى وتبتئس، متناسياً أنك مازلت في فيضٍ من نعمه لكنّ حزنك يحجب عنك رؤيتها..
تمرض قليلاً وتمكث في السرير يوماً، فتتأفف وتعترض.. وتنسى الأهم: أنّك لاتزال تفتح عينيك كلّ يوم وترى الضوء والألوان والأشياء ووجوه من تحبّ.. أنك مازلت تستطيع المشي على قدميك لتناول حبّة دواء وكوب ماء، أنك مازلت تمتلك فعلاً القدرة على الحصول على هذا الماء والدواء، وأنّك أصلاً تمتلك سريراً يمكنك الاستراحة فيه.. تنسى أن الله منحك ترف الاستراحة حتى الشفاء وأنعم عليك بالستر حين جنّبك مذلّة الحاجة لغيره..
يغدر بك أحدهم أو يخذلك صديق أو حبيب، فتشقى وتكتئب.. وتنسى أنّه من نعم الله عليك كشف غدر من لا يستحقك، تنسى أنك مازلت تملك الصحة والوقت لتحِبّ وتُحَبّ من جديد.. وأنّه من ستر الله عليك الخلاص من علاقة يمكن أن تؤذيك في دنياك أو آخرتك..
تخسر عملاً لم تساعدك الظروف للنجاح فيه كما تتمنى، فتيأس وتحزن.. وتنسى أنه من ستر الله عليك أن يحميك من فشلٍ في مهنة قد تسرق عمرك، وأنه يهيّئ لك الأسباب لما هو أفضل لك..
تقارن بين أولادك وأولاد الآخرين، فيضايقك أنهم أذكى أو أكثر تفوّقاً في المدرسة، وتتمنّى لو أنك والد ذلك الصبيّ الأوّل في صفه، أو تلك المراهقة الأكثر ذكاءً، وتنسى أنّ أولادك أيضاً متميّزون.. ولو تأمّلت قليلاً، قد تكتشف أن ابنتك أكثر حناناً عليك وبِرّاً بك من تلك التي تمنيتها ابنة لك، وأنّ ابنك قد يكون الأفضل أخلاقاً في صفّه والجميع يحسدونك على حسن أدبه.. ولاكتشفتَ أنّ النّعم متفاوتة ومختلفة، وأن ما تمتلكه أنت قد يكون حلماً لأحدهم، وما لا تعرف قيمته قد يطلبه غيرك كلّ يوم بإلحاح في صلاته ودعائه..
قد لا يعجبك بيتك، مركزك الاجتماعيّ، قدراتك الماديّة.. قد لا تعجبك عائلتك البسيطة الفقيرة.. قد تتمنى الثراء والمسكن الواسع والمركز المرموق في المجتمع وهذا طبيعيّ.. لكن لو فكّرت بعمقٍ ستتأكّد أنّ السقف الذي يحميك نعمة، أنه سترٌ من ألم التشرّد.. وأن القليل الذي تملكه من المال نعمة، أنه سترٌ من مذلّة الحاجة، وأن العائلة البسيطة التي لا ترضي طموحك نعمة، أنها سترٌ من ألم الوحدة وخواء القلب..
سنكون الأكثر سعادة حين نكون الأكثر رضا وامتناناً.. وسنكون الأكثر رضا حين نعرف بالفعل قيمة النّعم التي يغمرنا الله بها وأهمّها: نعمة الستر.