"إن انفصالنا عن الناس، والقيم، والطبيعة، هو السبب الرئيس في غياب السعادة، وبروز التعاسة على أوجه الناس"، تشعر في بعض الأحيان وكأن العالم يتآمر ضد سعادتك، إذا كنت كذلك، فأنت لست مصاباً بجنون العظمة. هنالك عدد قياسي في العالم يعيشون على العقاقير المضادة للاكتئاب؛ فعلى سبيل المثال، يتناول واحد من كل أربعة مواطنين أمريكيين هكذا حبوب بشكل منتظم.وفي ظل ارتباط حياتنا وعالمنا بالتكنولوجيا، فإن كل مصادر التعاسة تنبع من انفصالنا، وانقطاع اتصالنا عن المجالات الأخرى في الحياة. ولذلك، علينا أن نعرف كيفية إعادة الاتصال، وكيفية عيش حياة أكثر سعادة.
تقول الدكتورة هبة علي، الخبيرة النفسية: الكثير يتحدث عن كيفية جلب السعادة والتفكير الإيجابي والتحفيز والطموح والنجاح، لكن مع ضغوطات الحياة نتعرض أحياناً لمشاعر سلبية تصل لدرجة الشعور بالتعاسة، يوجد كتاب لمحلل نفسي اسمه جوهان هاري (الاتصال المفقود) يُرجع فيه أسباب التعاسة إلى بعض الانفصالات.
*سبب التعاسة في كتاب هاري "الاتصال المفقود"
أولًا: الانفصال عن الآخرين
الوحدة في الحياة تعادل لكمة على الوجه، وأنا أعني ذلك حرفياً؛ فاستجابتك لكل منهما تمثل زيادة في مستوى الكورتيزول في الجسم. يقول هاري في كتابه: “الاتصال المفقود: الكشف عن الأسباب الحقيقية للإحباط – والحلول غير المتوقعة”. “تبين أن الشعور بالوحدة يؤدي إلى ارتفاع مستويات الكورتيزول بشكل كبير، يوازي تماماً تعرضك لهجوم جسدي من قبل شخص غريب، وهذا ما أظهرته تجاربنا العلمية”.
يقول هاري في كتابه: “من المثير للدهشة أن الشعور بالوحدة لا يرتبط أبداً بعدد الأشخاص الذين تتحدث إليهم كل يوم، فقد أظهرت دراستان بأن الكثير ممن يشعرون بالوحدة يتحدثون إلى الناس كل يوم”.إذًا، كيف نمنع الشعور بالوحدة؟ يجب أن نتشارك بشيء ما مع من حولنا -شيء مفيد لك ولهم- مثل اعتقاد أو قضية أو هدف أو نشاط. بعبارة أخرى، يجب أن نكون “معاً” في ذلك الشيء المشترك، وليس مجرد وجود جامد في حشد. يقول هاري: “جون يشعر بالوحدة، ومن أجل أن يتعافى، هو بحاجة إلى أشخاص آخرين، وأيضاً إلى شيء آخر. قد يكون ذاك الشيء الآخر هدف أو قضية، تفيد كليكما”.
ثانياً: الانفصال عن القيم
أنت تلاحق “القيم الجوهرية” عندما تفعل شيئاً لأنك تحبه، لكنك تلاحق “القيم الخارجية” عندما تطارد المال أو المنزلة الاجتماعية. بكلمات أخرى، أن تكون جندياً وطنياً فهذه “قيمة جوهرية”، وأن تكون “منتفعاً” أو “مرتزقاً” فهذه “قيمة خارجية”. كلما كانت قيمك الخارجية أكبر، كلما كانت دوافعك المالية أكبر، وكلما كان شعورك بالاكتئاب والقلق أكبر”.
إن تحقيق الأهداف الخارجية، مثل السيارة الفاخرة، لا تجلب سعادة دائمة مثلما تحققه الأهداف الجوهرية، مثل صقل مهارات الكتابة، التي تشعرنا بسعادة أكبر وقلق أقل. إن مطاردة الأهداف الخارجية تتطلب وقتاً وجهداً كبيرين، لكن السعادة وراءها تختفي فور تحقيقها.
ثالثاً: الانفصال عن الطبيعة
اقترب من الطبيعة أكثر، ستكون أكثر سعادة. وابتعد عنها، ستصبح أكثر اكتئاباً. يقول هاري: “إن الأشخاص الذين انتقلوا إلى المناطق الخضراء حظوا بانخفاض كبير في مستوى الاكتئاب”. قد يقول البعض إن السبب في ذلك هو أن المناطق الريفية لديها جرائم أقل وتلوث أقل، وهذا التشخيص خاطئ بالطبع.
*مسببات التعاسة في الحياة
غياب الهدف
من الصعب للغاية أن تكون تعيساً عندما تكون لديك أهداف قابلة للتنفيذ، وتريد العمل لتحقيقها، أو حين يكون لحياتك معنى. ولذلك فإن التعاسة تتمثل في التخلص من كل الأهداف التي تظهر عليها بوادر الطموح أو التحقق القريب. فانتبه أيضاً وضع أهدافاً غير واضحة وغير قابلة للتحقيق من ضمن أسباب التعاسة.
تحمِّيل النفس فشل الكون
تحميل النفس أسباب الفشل سواء الخاصة لديك، أو فشل البيئة المحيطة بك أمر خطير، فلا يجب أن تحمّل نفسك أكثر مما ينبغي، حتى لا تتحول لإنسان تعس وتصاب بنوبات جلد الذات.
عدم تعايش الواقع
عندما تعد نفسك بأحلام وردية ليس لها علاقة بالأجواء المحيطة، وعدم التعايش مع الواقع ورؤيته بشكل حقيقي يعد من أسباب التعاسة لأنه يجعل الشخص متعلقاً بأشياء واهية يصعب تحقيقها.
غياب الأكل الصحي والتدخين
التدخين والعادات غير الصحية في الأكل، تساعدك في الوصول إلى التعاسة بشكل أسرع، خاصة الوجبات السريعة والمشروبات الغازية والكثير من الحلوى التي تؤثر بشكل سلبي على كفاءة الجسم. لذلك عليك اتباع حمية غذائية سليمة.
مواعيد النوم والطعام العشوائية
تناول طعامك في ساعات مختلفة كلّ يوم، وعدم وضع مواعيد محددة للنوم والنوم متأخراً ولساعات قليلة جداً أو كبيرة جداً يعد من أسباب التعاسة.
عدم ممارسة التمارين الرياضية
تساعدك التمارين الرياضية على تحفيز إفراز هرمونات الأندورفين في الدماغ، مما يحسّن من مزاجك ويساعدك على النوم بشكل أفضل، وفي حالة غياب الرياضة يسيطر الشعور بفقدان الطاقة وهو من علامات التعاسة.
التحديق في الشاشات
سواءً كان تلك شاشة ألعاب الفيديو، أو مواقع التواصل الاجتماعي، اليوتيوب، أو مسلسلات وأفلام، فقضاء وقت طويل عليها من أسباب التعاسة، ومن علامات ذلك الشعور بالألم في العينين أو الرأس أو الرقبة.
تجنب التواصل البشري
الإنسان كائن اجتماعي بالفطرة، وعدم التواصل الإنساني بين البشر وبعضهم يجلب الشعور بالوحدة ومن ثم التعاسة.
البحث عن الحجج والأعذار
عدم مواجهة الشخص بأخطائه وسلبياته، وخلق أعذار لأي فشل يقوم به أو إلقاء اللوم على غيره، فتلك الأشياء من مؤشرات التعاسة.
الاستمتاع بالتعاسة
أحياناً بعض الناس يسعدون عندما يشعرون بالتعاسة، والاستمتاع بدور الضحية والفشل الأمر الذي يجلب مزيداً من التعاسة وصعوبة الخروج من تلك الدائرة.