رفقاً بالآباء..

مريم شمص
مريم شمص
مريم شمص

إنّه ذلك الذي يغلي قلبه اذا مرضتَ، فيهرع لمداواتك، يغالب دمعةً لا يريدها أن تسقط، فهو القويّ، هو الذي لا يعبّر بالدمع عن خوف أو قلق..
إنّه ذلك الذي تشتعل النار في داخله إن رآك حزيناً، فيحار كيف يمكن أن يقطف من بستان الفرح بسمةً يزرعها فوق ثغرك، يصارع غصةً عالقة في حلقه، فهو المتين، الذي لا يجوز أن تهزم رباطة جأشه أيّة غصة..
إنّه ذلك الذي إن ضعفت أو زادت أثقالك هبّ لسندك أنت وضعفك والأثقال فوق رأسك مهما كانت، يقاوم ألم كتفيه ومشاعره، فهو الصّلب، الذي لا يحقّ له أن يميل وأنت تتكئ عليه حتى لو تعب..
إنه ذلك الذي إن فشلتَ افترسه ألمُك، وإن نجحت لم تتسع الدنيا لفرحته بفرحِك...
إنّه الذي يمشي قبلك في دروب الحياة، يقتلع أشواكها ويبعد حصاها المسنّنة عن طريقك، يميط عن خطواتك أيّ أذى ولو كانت قدماه حافيتين.
إنّه الذي يسدّ بزنده حرّ الشمس عن جبينك ويبسط ذراعيه عرائش وارفةً تنشر الفيء في طريقك، حتى ولو كانت ذراعاه عاريتين..
إنه الذي يمنحك الأمان حين تخاف، حتى لو كان خائفاً.. فالخوف ممنوعٌ على الآباء في قاموس صغارهم وفي قاموس الحياة..
 انه الذي يمنحك لقمته إن جعت، ويشبع من شبعك راضياً إن جاع..
 إنه الذي يفتخر بك في صمتٍ، فهو لا يحسن نسج الكلمات تاجاً فوق رأسك، لكنه يحملك تاجاً فوق رأسه طوال حياته..
إنه الذي تسند أنفاسُه سقفَ بيتك، ويدفئ جدرانَه ضوءُ عينيه، ويحصّن أبوابَه هديرُ صوته فيه..
إنّه الذي إن تألّمت مزّقت السكاكين روحَه ولم ينطق بـ "آه"، وإن تخلّى عنك العالم وجدته واقفاً في ظهرك يردّ عن قلبك ضربات الخيبة..
إنه الذي لم يُقَلْ إنّ الجنة تحت قدميه، لكنّه يسعى طوال عمره ليجعل حياتك جنّةً على الأرض.. إنه الذي لم تُكتَب في مديحه الأشعار، ولم يتنافس في وصفه الكتّاب والفلاسفة، لكنّه لا ينتظر شيئاً من ذلك فهديّته ومنتهى سعادته في رؤية وجهك باسماً ونفسك راضية.
إنّه الذي إذا أوجعتَه صَمَت، وإذا خذلتَه مرض، وإذا جرحتَه انكسر.. حتى لو ظهر أمامك جبّاراً قاسياً ولا مبالياً..
إنه الذي قيل إنّ غضبه من غضب الربّ، على الرغم من أنّ قلبه أحنّ وأرقّ من أن يغضب عليك مهما فعلت..
هو الأب.. الذي حملك فوق كتفيه واجتاز بك الأعاصير والمطبّات ومخاطر الطرقات ومجاهل الحياة، الذي تحمّل عنك قساوة الدنيا وحماك من بشاعتها على قدر ما استطاع..
هو الجلود الصبور، على الرغم من اهتزازه أحياناً، الصامت على الرغم من تراكم الكلمات في قلبه، الصّلب العنيد الذي يرقّ بكلمة منك.. 
 رفقاً بقلوب الآباء فهي أرقّ ممّا تتخيلون، وأضعف ممّا تظنّون..
رفقاً بهم، وحبّاً لهم، ورأفةً بهشاشتهم التي لم يعلنوها لنا يوماً.. أكرموا آباءكم خير الإكرام فهم أكرموكم، وأحسنوا رفقتهم فهم كانوا لكم خير رفيق.. هنيئاً لمن كان له أبٌ ليردّ له الجميل، هم الخير في حياتنا، فرفقاً بهم..