آخر ما يحتاجه  مريض "كورونا"

مريم شمص
مريم شمص 
مريم شمص 


آخر ما يحتاجه مريض "كورونا"، أن يسمع قصتك الشخصية مع "كورونا"، وقصة كل من تعرفه معها. 
آخر ما يحتاجه أن تدخل معه بمباراة من كان مرضه أشدّ: فإن أخبرك أنّ حرارته وصلت إلى الأربعين أسكتّه بأن حرارتك حينها أفقدتك الوعي! وكيف أن صداعك كان أقوى من صداعه وآلام مفاصلك أعتى من آلام مفاصله.. أو أن تردّ عليه حين يشكو من ألم ظهره الشديد بأنّه لا شيء أمام ألم عظمة إصبعك حين أصبت أنت..
آخر ما يحتاجه أن تلعب معه دور المرشد الحياتي، فتطلب منه عدم التدلّل والمبالغة، بل أن يقوم من فراشه بنشاط ويقاوم ألمه لأنك أنت حين أصبت لم تلازم فراشك، بل كنت كالبطل الجبّار تطبخ وتنظّف المنزل ولم تحتج لمساعدة أحد..
آخر ما يحتاجه أن تلومه وتعاتبه كيف أصيب، وكيف التقط العدوى، وكيف لم ينتبه وكيف كان يجب أن يكون أكثر حذراً ولا يتخلى عن كمّامته والاحتياطات اللازمة..
آخر ما يحتاجه أن تشعره بالذنب كيف نقل العدوى لأولاده، أو لوالدته، أو لأي شخص كان عن غير قصد..
آخر ما يحتاجه أن تبعث له بالمقالات العلمية المرعبة وأسماء المتحورات، أو أن تخبره عن جارك الشاب الذي توفّي بالكورونا من دون أي أمراض سابقة، وتقسم أغلظ الأيمان على ذلك مسبباً له الهلع!
آخر ما يحتاجه أن تلحّ باتصالاتك، وتصر على فتح الفيديو، حتى لو أقفل في وجهك الكاميرا مراراً وتكراراً بحجّة الاطمئنان عليه..
آخر ما يحتاجه مريض الكورونا أن تلومه إذا طلب بعض الوجبات الجاهزة لعجزه عن تحضير طعامه، بدلاً من ذلك أرسل له صحناً من الطبخ المنزليّ إذا استطعت!
ما يحتاجه مريض "كورونا" بالفعل، وعن تجربة شخصية حديثة وقاسية:
أن تطمئنّ عليه بلطف، وبشكل مستمر ومتكرر.. أن ترسل له رسائل صوتية قصيرة مّرات عدّة في النهار تسأله عن حاله.. أن تتضمن رسائلك الصوتية سؤالاً صادقاً عمّا يحتاج، وأن تسعى لتأمينه له إن كنت مقرّباً منه. أن تخاطبه بلهجة رقيقة حنونة قريبة للقلب تناديه فيها بالألقاب التي يحبها.
وما أجمل أن تتضمّن الرسالة الصوتية كلمات تنمّ عن المحبة والتعاطف والاهتمام.. وما أعذب أن ترسل له أدعية قصيرة لتسريع الشفاء، أو حتى آيات قرآنية تريح القلب وتهدّئ الروح.. 
وقد يحتاج مريض "كورونا"، المحجور وحيداً في غرفة، إلى بعض التسلية والمرح. فكّر في إهدائه ابتسامة بإرسال بعض النكات المسلّية، أو ربما مقاطع الفيديو الطريفة التي تحسّن من مزاجه.. وقد يرطّب قلبه أن تشاركه بعضاً من ذكرياتكما الجميلة معاً، من دون أن تستحضر ذكريات مؤلمة أو مشاحنات قديمة بينكما..
ما يحتاجه مريض "كورونا" من محيطه وأصدقائه فعلاً، الدّعم والحنان والاهتمام الصادق والدعاء له وطمأنته دائماً بأنّها فترة عابرة وستنتهي على خير وسلامة.. 
ولذلك، على كلّ من لا يملك القدرة على منح ما سلف ذكره، أن يكفّ عن التواصل مع المريض في هذه الفترة، لأنها بالفعل من أصعب الفترات وأشدّها إيلاماً جسديّاً ونفسيّاً..