حين نتأمل حقيقة الله فينا، مما يصنع العقل، مما تبدع اليد، في النجوم السابحة والقبور الشاهدة، والقلوب اللينة والأقدام التي تتعلم لغات الطرق لإكمال المسيرة، في الشعر الذي يشق طريقه لقلوب صلبة، والحنيّة التي تمد يدها حول خصر الأحبة لتلملم شظايا تركها الزمن، والفكرة التي تواجه عادات قديمة حول أعناق الآباء، نبصر الأمهات التي لا ندرك كيف خرجنا من أرحامهن، وكل ما ندركه أننا أنصاف تمرح بيننا الأحلام والآمال وتحطمنا كقوالب مجتمعية إذا ما خالفنا الحكاية المأسورة في زجاجة العادات.. في سفر الفتاة نحو أحلامها، في قدرة الإنسان على التحول لوحش لا يرى أمامه، في السجون تحت الأرض، وفي الوجوه التي تُعاني من الأمل الذي لا ينتهي..
المقاعد الفارغة التي يقيس الأحبة عليها حنينهم، والضحكات المعدة مسبقاً التي تنشرها الجارات على حبال الغسيل، في سيناريو الحياة الذي يبقى كما هو، النجوم تشرق كل يوم، الشمس تحضر الظل في جيبها، القمر يظهر متعالياً، مخايلاً لكل حبيب وجه حبيبه، يضحك حين يذكره الشعراء الصغار في كلامهم الذين يصيدون به الغزل، ويلقون صنارة الحب في العيون، وينتظرون حظهم في الحب، صدفة من البحر خرجت لي وقالت:
هو هكذا السيناريو، سنحب حتى التعب وتبحر سفينتنا نحو الكنز المجهول، ونتوه حتى نجد أننا نبحث عن الكنز وهو فينا..! سنعيش حتى نمل وعود السعادة، ويصيبنا الملل بحالة حنين لوعي جديد يبصر الروح أخيراً فينا، ثم نبكي على مآسينا كإرث إنساني عظيم، وتخرج من دموعنا أحلام جديدة، تزرع بذرة الحياة فينا ونحن نسير إلى موتنا ببطء والموت طوال عمره فينا، وهذا اللغز لم نلتفت له يوماً إلا وقد حان الموت فينا.
القدر معلق على إطار الصور التي أعددناها كأسطورة عائلية، وحين يجيء الموت يدفننا الأحبة بها، ويشاركوننا جراحهم والأفراح كأننا مازلنا موجودين، وإذا ما شاغبت الريح وأوقعت الصورة، وافترقت عن الإطار الذي تعيش فيه، سيشعرون بمصيبة تقترب ويستعيذون بالله من شيطان متربص للحكاية التي يعيشونها.
إن الله يرسم حكايتنا ويوهبنا مهمة تلوينها، ويصر على تذكيرنا بين الفينة والأخرى أنه لا شيء يدوم، لا الجراح ولا الأفراح، وأن الذي يدوم هو فقط، والدهشة التي يرسلها وتعلق في روحنا..
لا تتعب نفسك بتحليل الحكايات، نحن من نصنع الألغاز والتشويق، كلها حكايات متوارثة نحب ارتداءها مع الزمن ولا نملك سوى الدهشة أمام الله وقدره.