بطبعه يميل إلى الفنون، وهو شغوفٌ بجمالية الحرف العربي منذ الطفولة، فمنحنياته جعلته يشعر بالتحدي، إنّه الخطاط السعودي، فهد المجحدي، الذي بدأ هوايته في المرحلة الابتدائية، بمحاكاة الكثير من الكلمات، منها الرحمن الرحيم، التي يجد فيها وزناً ومعنى كبيرين، إضافة إلى سهولة كتابتها، واحترف في عام 2010.
الإحساس بالتفرد، هو ما جعل فهد يدرس الخط العربي، حتى خرج إلى العالمية بمشاركاته فيه، يتابع قائلاً: «جمالية أي حرف تتبع لنوع الخط نفسه، وبما أنني متخصص في خط الثلث، أجد أن حرف العين هو الأجمل؛ حيث تغنى الشعراء العرب بالعين، وعشقوا جمالها، فعادة ما أخط حاجب العين، والجزء الأول والثاني منها.
استثناءاتٌ لا يعرفها الكثيرون
المعلوماتُ الاستثنائيةُ في الخط العربي، يجدها المشهدي كثيرة، وتحمل أسراراً قد لا يعرفها الناس، ربما بسبب انشغالهم بالتقنية والحداثة التي عشناها في السنوات الخمسين الماضية، يستدرك قائلاً: «الخط العربي ليس مجرد كتابة مباشرة، فالمباشرة في البداية التي تشكل اللوحة فقط، وهي لا تتعدى 5% من مجمل اللوحة، حتى لو كانت مؤلفة من 5 كلمات، قد يستغرق الخطاط شهراً أو شهرين لإبداعها؛ حيث يمر بمراحل كثيرة في التنظيم وتنظيف أطراف الحروف، هذا أشبه بنحت الحروف على اللوحة، وقبلها يواجه الصعوبة في إيجاد الفكرة، خصوصاً في خط الثلث الجلي، الذي يحتوي على الكثير من التراكيب والأشكال الدائرية والبيضاوية، والمستطيلة والمربعة، والهيكل الأولي، لتقاطعات الحروف، والكلمات، ليتناسق التركيب والكتلة وتوزيع الفراغ، بينها وبين الخطاط».
أحياناً يوفّق الخطاط في إيجاد التركيبة المناسبة، بسرعة هائلة، كما يقول المجحدي، وهذا يرجع إلى خبرته وموهبته في تخيل الأشياء».
لغتي سيدتي
المجحدي هو من نفذ لوغو سيدتي، لحملتها للغة العربية، بخط الثلث، هو من أشهر أنواع الخطوط المتأصلة من خط النسخ، وسمي بهذا الاسم لأنه يكتب بقلم يُقَطّ محرَّفًا بسُمْك ثلث قطر القلم، لأنه يحتاج إلى كتابة بحرف القلم وسمكه. وهو من أصعب الخطوط العربية من حيث القواعد والموازيين، كما يقول المشهدي ويتابع: «يمتاز بالمرونة ومتانة التركيب وبراعة التأليف، ويقسّم إلى ثلث مفرق، وثلث وسط، وثلث مشبك، وقد اعتمدت في لوغو «سيدتي» لحملة #لغتي_سيدتي، أن اجعله كلاسيكياً، يحتوي على لمسات معاصرة من إبداعي، بهذا لم تكن النتيجة مجرد تصميم شعار، بل ترتيب خاص للكلمة، مع لمسات فنية».
النسب الذهبية
انجذاب العرب والأجانب للغة العربية، يفسره المجحدي، بتعلقهم وإعجابهم بالتراتبية والنسب الذهبية التي تتميز بها الخطوط، خصوصاً الثلث الجلي؛ حيث يرونها في الأماكن العامة، والمعارض الخاصة، ووسائل الإعلام، أو الكتابات التي تزين الكثير من المباني والمساجد، يعلّق المجحدي: «الخط العربي ينافس الكثير من الفنون العالمية، بانحناءاته الجميلة المنظمة ورتم حروفه، فهو يعطي طابعاً مريحاً للعين أيضاً، من دون أن يعرف الناس السبب، وهذا ما يسمى «النسب الذهبية، وكان الإغريق يسمونها «النسب الإلهية»، وهي التقاطعات أو نزول الثلثين مقابل الثلث كصعود، وحتى القياسات الهندسية. النسبة الذهبية مليئة بالأسرار، فقد تم تطوير الخط العربي، عبر مئات السنين استناد إليها».
من العبارات التي تجذب المجحدي في كتابتها:
وتعظم في عين العظيم صغارها وتصغر في عين الصغير العظائم
وقد سبق وكتبها بنفسه، ومن أجمل ما قيل في الغزل:
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
يجد المجحدي الكثير من العمق في كلمة العمل مهما بلغنا من شرحها، وهي تختصر أشياء كثيرة في حياتنا، لأنها أسباب كل نجاح، ويعتقد أن جملة «من جد وجد ومن زرع حصد» هي ما تفنن الكثير من الخطاطين في رسمها، يستدرك قائلاً: «اللغة العربية لغة اللاحدود، لغة التفاؤل، لغة الشغف، لغة المستقبل، لغة الخيال، لغة القوة، لغة التفرد».