المرأة والمجالس النيابية 

أ.د. عبد الستار إبراهيم الهيتي
أ.د. عبد الستار إبراهيم الهيتي 
أ.د. عبد الستار إبراهيم الهيتي 


يطرح اليوم على الساحة الفكرية والتشريعية موضوع مشاركة المرأة في المهام السياسية، وخصوصاً مشاركتها في المجالس النيابية ومجالس الشورى. 
فالمرأة مكلفة شأنها بذلك شأن الرجل؛ وهي مطالبة بالفرائض الشرعية وتشملها جميع الخطابات الواردة بتلك الأحكام، إلا إذا ورد دليل يفيد أنه خاص بالرجال دون النساء أو العكس، تبعاً للطبيعة الفطرية لكل منهما.
والمتتبع لتاريخ الحضارة الإسلامية يجد أن المرأة قامت بظل تلك الحضارة بجملة من المهام والمسؤوليات، ابتداء بالسيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، مروراً بالصحابيات الفُضْلَيات: سمية ونسيبة بنت كعب وأم سلمة، وغيرهن اللاتي شاركن الرسول ﷺ والصحابة بجملة من المهام والواجبات.
والدليل على ذلك أن الأحكام الشرعية الإسلامية التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية كانت عامة للجنسين، من دون تمييز بين الذكر والأنثى، حيث ابتدأت الآيات المتعلقة بالأحكام والإرشاد والتوجيه بخطاب: يا أيها الذين آمنوا، ويا أيها الناس، من دون الإشارة أو التمييز بين ذكر أو أنثى، ما يدل على أن الأحكام التفصيلية شاملة لكلا الجنسين. وبناء على ذلك نرى أن دخول المرأة للمجالس النيابية والشورية أمر تقره أحكام الشريعة وقواعدها العامة ولا يوجد دليل واضح على منعها من هذا الحق.
وثبت أن بعض نساء النبي ﷺ خرجن من أجل العلم والعمل، وأن العديد من نساء الصحابة خرجن لذلك أيضاً، وشهدن كثيراً من الغزوات، ما يؤكد جواز مشاركة المرأة بالمهام العامة لمصلحة شرعية معتبرة.
ودخول المرأة إلى المجالس النيابية يحقق للأمة مصالح متعددة بشرط أن تلتزم بالضوابط الشرعية في عملها بالمؤسسات، وإن القول بمشاركة المرأة في المجالس النيابية والشورى تابع للحكم الشرعي بصحة شهادتها، باعتبارها نوعاً من أنواع الشهادة عملاً بقوله تعالى: (ولا تَكْتُمُوا الشهادةَ ومَن يَكْتُمْهَا فإنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) ذلك أن الانتخابات بحقيقتها نوع من أنواع الشهادة والتزكية لمَن يُرشِّح نفسَه؛ كما أن من حقها الترشيح للمجالس النيابية على اعتبار أن ذلك من باب الوكالة؛ وهي مكفولة في التشريع الإسلامي للذكر والأنثى على حد سواء.
إن مُشاركة المرأة بالانتخابات والترشيح لعضوية مجلس من المجالس النيابية أو الشورى جائز شرعاً، ما دام هذا العمل يتفق مع طبيعتها وفطرتها، كون الإسلام سوَّى بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات وأعطَى المرأة جملة من الحقوق فجعل لها ذمة مالية مستقلة عن الرجل، وأباح لها أن تتمَلكَ وأن تتصرف في مالها كيفما شاءت، ومنحها الحق في مباشرة الحقوق المدنية وغيرها.
كما أن مشاركتها تتفق مع مفاهيم النصوص والمقاصد الشرعية، فالنصوص الشرعية تثبت الحقوق المدنية للمرأة، وتبيح لها ممارسة دورها في النصيحة والتوجيه مع ضمان الالتزام بالواجبات الشرعية، أما المقاصد الشرعية فإنها توجب أن يؤخذ رأيها في الأمور العامة التي تهم الأمة باعتبارها شريكة في بناء المجتمع، وفي ذلك تحقيق لمقصد العدل، وإقرار لجزء من الحقوق التي يتم المحافظة فيها على العقل الإنساني، من خلال السماح للمرأة بإبداء رأيها وتقديم المشورة للآخرين .