نعم أريد أن أدخل المطبخ..

مريم شمص
مريم شمص
مريم شمص

نعم أريد أن أدخل المطبخ.. ولا أرى في هذا أي تعارض مع كوني امرأة عاملة طموحة لديها أحلامها وأهدافها المهنية والعملية.

نعم أريد أن أطبخ لأفراد عائلتي بنفسي، أن أتأكد من أنهم يتناولون طعاماً صحياً مغذياً نظيفاً.. ولا أرى في ذلك أيّ انتقاص من قيمتي أو مساساً بكياني.

نعم أريد أن أراهم مجتمعين على طاولة الطعام من حولي، أراقب وجوهم الضاحكة، أشاهد عيونهم الطافحة بالصحة والعافية، أرى اكتفاءهم ورضاهم بتناول أكلاتهم المفضّلة.. أسمع أحاديثهم وضحكاتهم وهمومهم الصغيرة أو ما يظنّونه هموماً..

نعم أريد أن أسهر بقربهم إذا مرضوا.. أن يخبروني عن مشاكلهم الصغيرة، عن قلقهم من امتحان الغد، عن خوفهم من الانتقاد لعيبٍ في مظهرهم، عن خجلهم من بثور ظهرت على جباههم، عن ارتباكهم أمام من يكنّون لهم اعجاباً.. نعم أريد أن أخصّص وقتاً كافياً لأرى عيونهم عن قربٍ وهم يخبرونني أسرارهم البريئة.. وهم يصفون صورتهم في المرآة، وكيف يتمنون أن يروا صورتهم في المرآة.. وهم يعبّرون عن مشاعرهم تجاه أنفسهم والآخرين..

نعم.. أريد أن أعرف من هو مطربهم المفضّل، أيّ فريق كرة قدم يشجّعون، أيّ صفحات على مواقع التواصل يتابعون، أيّ أفلام يشاهدون، أي أفكار تشاركهم نعاسهم على الوسادة، وأيّ مخاوف يخفونها خلف أبواب غرفهم المغلقة..

أريد أن أكون أمّاً وربّة منزل، بكلّ ما تعنيه تلك الكلمات..

أمٌّ تربّي، تنصح، توعّي، توجّه، تراقب، تتابع، تشارك، تنصت، تحضن وتدعم وتساند، ترفض وتتفهّم وتعيد توجيه الدفّة إلى مسارها الصحيح.

ربّة منزل تدير منزلاً كما يجب أن تُدار المنازل.. منزل سليم دافئ، يؤمّن بيئة صحيّة لإنشاء نفوس آمنة مستقرّة، وعقول متفتحة واعية، وأجساد صحيحة معافاة. منزل يسوده السلام والأمان العاطفي والنفسي.

ونعم أريد أن أكون أيضاً امرأة عاملة منتجة تحقق أحلامها المهنية وتسعى بجدّ للوصول الى أهدافها. امرأة تدرس وتتعلّم وتطوّر نفسها وتجتهد في عملها، تؤمن بنفسها وبقدراتها وتجيد إدارة مسؤولياتها بشكل لا يتعارض مع أيّ من تلك المسؤوليات..

أريد أن أكون امرأة تجيد ترتيب أولوياتها بحكمة ووواقعية. تعرف أين تضع مجهودها وكيف تستثمر طاقتها بأفضل طريقة. كيف تدير وقتها بشكل لا يؤثر على دورها كأمّ، هذا الدور الذي لا يمكن لأحد في العالم أن يأخذ مكانها فيه في حياة أبنائها وصحتهم النفسية وتكوين شخصياتهم وسماتها..

ولا أقصد إطلاقاً إغفال دور الرجل كأب وشريك ولا إنكار أهميته.. فهو دعامة الأسرة وأمانها واستقرارها.. كما وأن وجود شريك داعم ومتفهّم يساعد ويعين، يلتزم بمسؤولياته ويقوم بواجباته يسهم في نجاح المرأة في النهوض بمسؤولياتها المتشعّبة..

إنّ المرأة الذكيّة هي التي تعرف أنّ الوقت الذي تقدّمه كأمّ بكل تفاصيل هذا الدور ليس على حساب نجاحها في الحياة أو طموحها، بل هو وقت تبني فيه حيوات أشخاص سيحملون كلّ تلك التفاصيل في تركيبتهم الشخصية والنفسية وحتى البيولوجية مدى الحياة. وهذا أجمل ما في الحياة..