طفولة غنية جداً بالتنوع الثقافي والمعماري، كان لها الأثر الأساسي لشغفها بالتصميم. ولدت في حلب بسوريا، وعاشت معظم طفولتها ما بين سوريا ورومانيا. هذا النمط الحياتي كان العامل الأول وحجر الأساس لنجاحها. وفي مسقط رأسها، وعلى الرغم من صغر سنها ومن دون وعي منها، كانت عيناها تخزنان صوراً في ذاكرتها لأجمل البيوت الشرقية، والقناطر الأموية، وبحكم عمل والدها في رومانيا، فقد ازداد مخزون العمران عندها من خلال الاطلاع على الهندسة الرومانية القديمة بقصورها، وقوس النصر الذي يتربع في مدخل عاصمتها. هي المصممة التي تقيم في أميركا، بولاية نيويورك، جودي زيدو، التي كانت لنا فرصة اللقاء معها، على الرغم من بعد المسافة.
عند زيارتها إلى باريس ومتاحفها وقصورها، كانت المصممة جودي تراقب كل قطعة في متحف اللوڤر، وتصوّرها، وتحاول معرفة كل التفاصيل عنها، فازداد مخزونها الثقافي العربي الإسلامي والأجنبي، على حد سواء، تتابع قائلة: «كان للمدرسة الفرنسية، ضمن حملة الدراسات التبشيرية التي وصلت إلى مدينتي حلب، الداعم الأساسي لاطلاعي على الفنون والعمارة. فدرست المنهج الفرنسي، على أيدي فنانين فرنسيين وسوريين، كالفنانة زينة صباغ التي أشركتني في مسابقة للرسم، وكنت الأولى على كل مدارس سوريا.. ما زلت أذكر تفاصيل تلك اللوحة.. كانت لنساء أفريقيات يحملن سلالاً من القش وأولادهن الصغار ينتشرون حولهن، فيما الخلفية لشجر الموز وأوراقها الخضراء العريضة.. الجائزة كانت جرساً منبّهاً أيقظ بي شعور التمسك بالفن والرسم.
إكسسوارات باهظة الثمن
تبدي المصممة السورية، الحاصلة على شهادة ماجستير في الهندسة المعمارية من جامعة USEK في بيروت، براعة في تنسيق زوايا المناسبات؛ حيث مارست مهنتها في الغربة لمدة 5 سنوات، وخلال تلك الفترة قامت بتصميم منزلها، وبعد تنفيذه بدأت برحلة البحث عن إكسسوارات منزلية عصرية تناسب زوايا بيتها. ولكنها فوجئت بأن معظم القطع كانت باهظة الثمن، وليست ذات جودة. ومن هنا، نشأت فكرة علامتها التجارية Maison Zeido، وهي عبارة عن إكسسوارات وديكورات منزلية تناسب عصرنا الحديث، وذات طابع شرقي بسيط في الوقت نفسه، تستدرك جودي: «بدأت بمشاركة تنسيقاتي المنزلية على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم لاحظت إقبالاً من المتابعين، فأصبحت أصمم زوايا للمناسبات الدينية والاجتماعية، آخذة بعين الاعتبار الفصل السنوي، ومناسبته، فهو يعكس الألوان الرئيسية للتصميم. كما أحاول دائماً المزج ما بين شخصيتي وآخر صيحات الموضة المنزلية، ولم يقتصر الموضوع على إطراءات من الأهل والأصدقاء عندما يزورون منزلي، بل كنت أجد في صندوق البريد رسائل من غرباء يسألون عند المهندس الذي قام بتصميم هذا المنزل، وإن كان من الممكن مشاركة اسمه».
تابعي المزيد: المصمم أحمد بظاظو: الألوان والمواد في أعمالي تظهر حبي للطبيعة
طابع البيوت الباريسية
تؤكد المصممة البارعة أن المساحات الكبيرة تعطيها مجالاً أكبر للإبداع وللتنوع في الأثاث واختيار المواد. ولكن تصميماتها ترتبط بالمساحات المحيطة بها، بعيداً عن الرتابة، فالقاعدة الأساسية هو أن نتخذ نمطاً فنياً واحداً أو اثنين، كي يبقى التصميم متماسكاً ككل. تستطرد قائلة: «للأسف! كثيراً ما نرى على صفحات الميديا ديكورات فيها خلط لأنماط فنية عدة، والأصح هو مزج نمطين لا أكثر وبنسب محدّدة. مثلاً، إن أردنا المزج بين الفنّين المعاصر والتقليدي، علينا اختيار أحدهما ليكون طاغياً على الآخر بنسبة 70-80 %؛ حتى يكون المنزل بحلة عصرية مع لمسات بسيطة لقطع تقليدية، ونجد هذا الطراز رائجاً كثيراً في البيوت الباريسية حالياً».
ابتكري زاوية خاصة بالأطفال تشعرهم بخصوصية هذا الشهر وأهميته
استشارات حسب الثقافات
من أكثر الأماكن التي تحبّ جودي التغيير فيها هي غرفة الجلوس. فهناك تحتسي قهوة الصباح، وتتشارك مع زوجها الأحاديث، وتمضي وقتاً مع أولادها. وهي تسعدهم بتغيير الزهور في المزهرية كل أسبوع، وتجديد الإكسسوارات على الطاولة، مع كل فصل جديد، ككسر لروتين الحياة اليومية، وتجديد لطاقة مَن حولها، آخذة بعين الاعتبار سلامة الأطفال في هذه الخيارات. فمع وجود طفل صغير تحاول اختيار قطع ثقيلة الوزن على طاولة المنتصف في غرفة الجلوس؛ حيث لا يمكنه إزاحتها، تعلّق قائلة: «لدي عملاء داخل أميركا وخارجها. وبوجود الاستشارات عن بعد، أصبح كل شيء ممكناً. كما أن اطلاعي على ثقافات متنوعة ساعدني على تقبل ثقافات واختلاف شخصيات عملائي المتنوعة، وهذا يعد من أكثر الجوانب الممتعة والصعبة عندما نصمم لعميل ما. وبالتأكيد، لدي طابعي الخاص في كل زاوية، ومن أجمل الزوايا التي صممتها خارج منزلي كانت لعروسين يحاولان دمج ذوقهما في بيتهما الجديد. بعد محادثات عدة معهما توصلنا إلى حل متوسط، وجمعنا ما بين النمط العصري الذي تفضله الزوجة، وأضفنا بعض القطع التقليدية بما يتناسب مع ما يفضله الزوج، كانا في قمة الرضا والحماسة لبدء حياتهما الجديدة سوياً بأشياء تجمع ما بين شخصيتيهما».
لوحة تأسيس الأفكار
هناك لمسات شرقية في تصميمات جودي، لكن إكسسواراتها غير متوفرة بتاتاً في الأسواق الأميركية. ولا بد لأي شخص يريد إضفاء طابع شرقي على منزله أن يقتني القطع من الشرق الأوسط ويجلبها معه إلى أميركا. تتابع قائلة: «في كثير من الأحيان نضطر إلى تصميم وتنفيذ زاوية، لكن الطراز العصري هو الطاغي هنا، مع إضافة بعض اللمسات الشرقية من الإكسسوارات الجدارية أو المنزلية. وبذلك نكون قد قدمنا تصميماً يتناسب مع المكان الذي نعيش فيه من دون أن نتجرد بالكامل من حضارتنا وشخصيتنا».
عند البدء في أي تصميم، سواء كان للهندسة الداخلية أو تغيير زاوية في المنزل، تحدّد جودي لوحة المزاج mood board، وهي عبارة عن لوحة تأسيس للأفكار، تضع عليها صوراً وألواناً وأقمشة تستوحي من خلالها فكرة المشروع، وفي أغلب الأوقات تلجأ إلى تفصيل قطع الأثاث حسب الطلب، وكثيراً ما تضع طبقات عدة من الألوان حتى تصل إلى الدرجة المرغوبة، كل ذلك حسب خصوصية العميل وميزانيته.
تابعي المزيد: المهندس عبدول زبيده: التصميم طريقة للتعبير عن مفاهيم الإنسان
فوانيس رمضانية بحلة عصرية
يبدو لضيفتنا أن النقص في الإكسسوارات واضح أكثر خلال شهر رمضان الكريم؛ حيث تحاول ربات المنزل خلق أجواء روحانية تذكرها وعائلتها بالأجواء نفسها التي اعتادت عليها في الشرق الأوسط، ولكن مع ذلك فإن الأمر كان شبه مستحيل مع عدم وجود أي قطع في السوق، تستطرد جودي: «مع تقدم السنوات وإنجابي لأولادي الثلاثة، أصبحت أشعر بأن وجود هذه القطع الرمضانية في منزلنا في المغترب أمر ضروري. فقررت أن أصمم بنفسي فوانيس رمضانية بحلة عصرية وآنية لطاولة الإفطار بطابع روحاني. من هنا نشأت أول مجموعة رمضانية ضمن علامتي التجارية Maison Zeido، ولاقت إقبالاً واسعاً من قبل العرب، وحتى الأجانب، وبيعت معظمها حتى قبل بدء شهر رمضان بأسابيع. الجاليات المسلمة العربية وغير العربية كبيرة جداً في أميركا، وهم جميعاً بحاجة إلى مثل هذه القطع التي تناسب تراثهم ودينهم وثقافتهم».
إذا أردت المزج بين الفن المعاصر والتقليدي، فاختاري أحدهما ليكون طاغياً على الآخر بنسبة 80-70 %
تصفّحن المجلات وإنستغرام
تنصح جودي السيدات اللواتي يحضرن زوايا رمضانية لمنازلهن، ويغيرنها كل أسبوع، أن يبرزن شخصياتهن، ويعملن على اختلاف الزينة عن البيوت التي يرينها، وتأسف قائلة: «هنالك خطأ شائع نراه من خلال مواقع التواصل، وهو نسخ ديكور غرفة مؤثرة كما هو. مع أن ما يناسب شخصاً ما في مساحة ما، قد لا يناسب أذواقنا أو مساحات بيوتنا، لذا أنصح السيدات أن يتصفّحن مجلات أو صفحات عدة على الإنستغرام ليستلهمن زواياهن الخاصة».
من الزوايا التي تقترحها لشهر رمضان:
- زاوية هادئة للعبادة وقراءة القرآن. من المهم أن تكون هذه الزاوية مريحة وبعيدة عن الأصوات.
- زاوية الترحيب برمضان. ممكن أن تكون طاولة بسيطة عليها فانوس رمضان، وبعض الحلويات الخاصة بهذا الشهر.
- إن كان في المنزل أولاد، لا بد من ابتكار زاوية خاصة بهم تشعرهم بخصوصية هذا الشهر وأهميته؛ ليقرؤوا فيها قصصاً عن رمضان والإسلام، ويرسمون هلال رمضان، وفيها يتعلمون الصلاة.
تابعي المزيد: المصممة عايدة قواص: أعمالي نابعة من المنطقة والتراث