ولا أنسى ...

مريم شمص
مريم شمص
مريم شمص

لا

 أنسى المعروف ما حييت.. أحمل جميلَ أيّ جميلٍ قُدِّم لي إلى آخر العمر، وأشعر بحاجة لردّه دائماً، وفي كلّ مرّة يتاح لي ذلك فيها..

لا أنسى يداً مُدَّت إليّ بمعروف، ولا موقفاً كريماً اختبرته من أحد، ولا خيراً صُنِع لي، ولا كلمة طيّبة قيلت في حقي.

لا أنسى قلباً منحني دفئه في لحظة برد، ولا باباً فُتِحَ في وجهي في يوم ضيق، ولا ضوءاً ساعدني في زقاقٍ مفاجئ معتم، ولا دعاءً في ظهر الغيب أكرمني به مُحبٌّ صادق النيّة.

لا أنسى الطيبة، والنخوة، والشهامة.. بل أقدّر كلّ لفتةٍ جميلةٍ مُنحَت لي، وتحفر عميقاً في ذاكرة روحي أيّ مبادرة طيّبة أفرحت قلبي..

أشعر بأنني مدينةٌ لأولئك الأشخاص إلى الأبد، ومهما قدّمت لهم بالمقابل يبقى شعور العرفان تجاههم حيّاً فيّ، يدفعني على الدوام لردّ جميل أفعالهم بأجمل منها، مرّاتٍ ومرّات..

ولكن بالمقابل، وتلك مشكلتي، أنا لا أنسى الإساءة أبداً، أنا لا أنسى الإساءة ما حييت أيضاً!!

ليس حقداً، ولا غلّاً، ولا رغبةً في الانتقام، ولا ردّاً للإساءة، ولا عجزاً عن العفو.. ليس أيّاً من ذلك على الإطلاق.

بل أسامح، وأعفو، وأغفر لمن أساء لي، لكنّي لا أنسى أبداً.

 

 

أن تكذب عليّ مرّة واحدة فقط، كذبةً حقيقيةً من تلك الأكاذيب التي لا نتوقعها من أولئك الذين نثق بهم، كفيلٌ بشرخ جدار الثقة بيني وبينك إلى الأبد. كذبة حقيقية واحدة، تكفي لأصبح من بعدها بحاجة لسند إثبات أي كلمة تقولها لي من بعدها.

أن تؤذيني مرّة واحدة فقط، أن تغدرني وأنا أدير لك ظهري وأنا مطمئنّة لأنك تسندني، أو أن تخون ثقتي وأنا أظنّ أن سرّي معك بأمان.. يعني أن تصبح مضطراً لتقديم دليل على صدقك في كل مرّة أتعامل معك من بعدها.

أن تجرحني باستغلال نقاط ضعفي وأنا التي كشفتها أمامك بكلّ طيبةٍ وثقة وحسن نيّة، يعني ألا تستحقّ منّي من بعدها سوى الشكّ والحذر والتوجّس.

لا أؤمن بالظروف والأسباب والمبررات حين تجرح إنساناً ظنّ أنّ مشاعره معك بأمان، ولا حين تؤذي أحداً عدّ أنك جديرٌ بثقته..

أؤمن بأنّ من يراني بعينٍ واحدة، أراه بعيناي وأذنيّ وقلبي وحواسّي الستّ..

ولكنّي أؤمن كذلك، بأن من يكذب مرّةً بكامل إرادته ووعيه قادرٌعلى أن يكذب في أيّ مرّة. وأن من يغدر بمن وثق به مرّةً يستطيع أن يغدر كلّ مرّة. وأنّ من آذى من أمّنه على نفسه مرّةً، أو هتك سرّ مَن ائتمنه لا يستحقّ الثقة من بعدها أبداً..

لكلّ ذلك، أحمل في قلبي العرفان لأيّ خيرٍ صُنع معي، وأبقى ممتنّةً له طوال العمر، لكنّي لا أدير أبداً خدّي الثاني لمن صفعني، بل أسامحه، وأنا أصنع بيني وبينه جداراً عازلاً إلى الأبد.