كثيرة هي الأفكار التي تخطر في رؤوس الشباب حول كيفية قضاء العطلة الصيفية، فمنهم من يفكر في السفر، ومنهم من يفكر في تنمية هواية ما والتدرب عليها، ومنهم من يفكر في العمل خلال هذه المدة لكي يستفيد من نواح عديدة. وفكرة العمل الموسمي في الإجازة الصيفية، قد تلقى ترحيباً من بعض الشباب لأسباب مختلفة.. حول ذلك التقينا عدداً منهم، وسألناهم إن كانوا يؤيدون الفكرة، وكيف ينظرون إليها من جانب الفائدة للجيل الشاب، وإن خيروا لانتقاء العمل، فما المهنة التي يفضلون ممارستها خلال العطلة؟
جدة - أماني السراج Amani Alsarraj - الرباط - سميرة مغداد Samira Maghdad
القاهرة | أيمن خطاب Ayman Khattab - بيروت | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdine
تونس | مُنية كوّاش Monia Kaouach
فرصة ذهبية
ريوف الريمي: العمل الموسمي فرصة ثمينة لتطوير قدراتي ومهاراتي
أكدت ريوف الريمي، طالبة سعودية في هندسة الحاسب، أن «الوظائف الموسمية في المهرجانات والفعاليات المرتبطة بمواسم الإجازات، أو الحج والعمرة، تمثِّل فرصاً ذهبيةً لجيل الشباب؛ إذ لا تقتصر فائدتها على الدخل المادي، واستثمار الأوقات بشيءٍ مثمرٍ فقط، بل تشمل أيضاً زيادة الخبرات، واكتساب المهارات، فضلاً عمَّا تقدمه هذه الوظائف من قيمةٍ إضافيةٍ للمجتمع».
وقالت: «من جهتي، أنظر إلى العمل الموسمي بوصفه مرحلةً تأهيليةً لدخول سوق العمل، وله فوائد مباشرة وغير مباشرة، منها توسيع المهارات الاجتماعية والمهنية وتطويرها، واكتساب الخبرات، لذا أضع، قبل بدء الإجازة الصيفية، هدفاً لنفسي، وأعمل على تحقيقه، وأقيِّم ما فعلته في نهاية الإجازة»، مضيفةً: «أعدُّ العمل الموسمي فرصةً ثمينةً لتطوير قدراتي ومهاراتي، ووسيلةً لاستغلال الوقت بشيءٍ مفيدٍ معنوياً، ومادياً من ناحية المكافأة، أو الراتب الذي أحصل عليه».
جسر موصل إلى سوق العمل
تحدَّثت ريوف عن المهنة التي تفضِّل ممارستها خلال الإجازة الصيفية بالقول: «عادةً ما أختار في الإجازة أداء مهمات بيطرية من أجل نشر الوعي في المجتمع حول التعامل الصحيح مع الحيوانات، وكيفية الاهتمام بها، كما أفضِّل العمل في مجال هندسة الحاسب بوصفه تخصُّصي؛ حتى يتسنَّى لي اكتساب مهاراتٍ مهنيةٍ وعمليةٍ جديدة، تساعدني مستقبلاً عند الانخراط في سوق العمل».
ورأت أن «الكثير من الشباب من الجنسين، يفضِّلون السفر والاستجمام في الإجازة إذا سمحت لهم الظروف بذلك، خاصةً بعد سنةٍ كاملةٍ من الدراسة والاختبارات، لكنني أجد أن العمل في الصيف فرصةٌ ممتازة، يكتسب منها كل من الشاب والفتاة مهاراتٍ وخبراتٍ وتجاربَ جيدة، تضيف له الفائدة، وتنمّي علاقاته، وهذا ما نجده عند كثيرٍ من الشباب، وبعضهم يملك طاقاتٍ كامنة وقدراتٍ مميزة وإبداعاتٍ لافتة».
ونصحت ريوف كل شابٍّ وفتاةٍ، يرغب في تحسين مهاراته الوظيفية وكسب المال بالتوجُّه إلى العمل الموسمي، واصفةً إياه بـ «الخيار الجيد»، وذكرت: «يجب التعامل مع الفرص الوظيفية الموسمية بجديةٍ كبيرة، وعدم استخدام هذا العمل طريقاً سريعاً للحصول على المال فقط، بل يجب التعلُّم من هذه التجارب، واستغلالها في تحسين المستقبل المهني وتحقيق الأهداف المستقبلية، كما يجب التركيز على تكوين وتطوير العلاقات المهنية باستمرار، إضافةٍ إلى حرص الشخص على إظهار أفضل ما لديه، خاصةً في مساعدة الآخرين، ودعم الشركة أو المؤسسة في الفترة القصيرة التي يعمل فيها؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى احتمالية الاستعانة به كلما توافرت لديهم وظائف موسمية جديدة».
إقرئي المزيد عن أحلام شبابية.. مشاريع مبتكرة من يتبناها؟
منح الاستقلالية
يسرا بلميلود: يغمرني إحساس جميل وأنا أوفر مالاً من عرق جيني لأشتري ما أنا في حاجة إليه
عاشت يسرا بلميلود، طالبة مغربية، تجربة عمل في العطلة الصيفية، وتفكر في إعادتها بكل تلقائية صيف هذه السنة بلا أدنى مشكلة. تقول: «منذ سن الخامسة عشرة وأنا أعيش تجارب عمل في العطل وأوقات الفراغ، وأجد الأمر عادياً ومهماً لصقل شخصية التلميذ أو الطالب، فالوالدان قد لا يتمكنان أحياناً كثيرة من تلبية جميع طلبات أبنائهم. ولعل هذا السبب كان محفزاً بالنسبة إليّ للعمل وتوفير مصروف الجيب الذي يحقق لي نوعاً من الاستقلالية، واقتناء بعض الأمور الخاصة بي؛ حيث يغمرني إحساس جميل وأنا أوفر مالاً من عرق جبيني لأشتري ما أنا في حاجة إليه».
ترى يسرا أن تجربة العمل في الصيف وأوقات العمل مهمة في حياة الطالب، وتساهم في تشكيل شخصيته، وتعلمه الاعتماد على النفس، ونرى هذه الظاهرة عادية جداً ومتداولة في المجتمعات الأوروبية، التي تتم بتشجيع حتى من الآباء والمربين.
تضيف: العمل عبادة، ويعلمك تدبير حياتك، والتعرف إلى مجالات أخرى في الحياة، حتى لا تبقى حبيسة جدران قاعة الدرس. كما أنه يطور مهارات ذاتية ستحتاج إليها بكل تأكيد مستقبلاً حين تتخرج من الجامعة، وتواجه سوق الشغل وأماكن العمل.
وترى يسرا أن العمل في العطل ليس عيباً، ويدخل بدوره في مجال تكوين الشباب وتدريبهم على اقتحام الحياة وتقوية مهاراتهم، داعية الجميع إلى تشجيع الشباب على ذلك، حتى لو كان الشاب ميسوراً مادياً؛ من أجل زرع حس المسؤولية، والشعور بالحرية والاستقلالية وتدبير الأزمات.
فرصة لاكتساب الخبرة العملية
أحمد عودة: يمنح العمل الموسمي الشباب فرصة لبناء وتوسيع شبكة علاقات اجتماعية ومهنية جديدة
يشير اللبناني أحمد عودة (24 عاماً)، ماجستير في إدارة الأعمال المصرفية والمالية، إلى أنه «من الجوانب الإيجابية للعمل الموسمي أنه يمنح الشباب فرصة لبناء وتوسيع شبكة علاقات اجتماعية ومهنية جديدة، من خلال التفاعل مع زملاء العمل والعملاء, كما أن الفكرة الرئيسة وراء هذا النوع من العمل هي تلبية الطلب المؤقت في فترة زمنية محدودة توفر للشباب فرصة لكسب الدخل الإضافي، وتطوير مهاراتهم العملية في الوقت نفسه.
ويشير إلى أن العمل الموسمي يعدّ خياراً جيداً للأفراد الذين يبحثون عن فرصة عمل مؤقتة تتناسب مع جدولهم الزمني خلال فترة الإجازة، إلا أن بعض الأفكار السلبية تتبادر إلى الذهن، مثل: عدم الاستقرار المهني، والأجور المنخفضة والمتقلبة.
يضيف: «مع ذلك، فإن فكرة العمل الموسمي فرصة رائعة للجيل الشاب، وتحمل العديد من الفوائد، ومنها:
- أولاً: يعد العمل الموسمي فرصة لاكتساب الخبرة العملية؛ حيث يمكن للشباب أن يكتسبوا مهارات جديدة، ويتعلموا كيفية التعامل مع من حولهم، لا سيما العمل في فرق؛ ما يساعدهم على بناء سيرتهم الذاتية، وتحسين فرصهم المستقبلية في سوق العمل.
- ثانياً: يمكن أن يؤدي العمل الموسمي إلى تطوير مهارات الإدارة الذاتية لدى الشباب؛ حيث عندما تكون لديهم مسؤوليات في العمل، مثل: إدارة الوقت، والمواعيد النهائية، والعمل تحت الضغط، فإنهم يتعلمون كيفية التخطيط والتنظيم وتنمية مهاراتهم في إدارة المهمات المتعدّدة.
- ثالثاً: يمكن أن يكون العمل الموسمي فرصة للشباب لاكتشاف شغفهم وتجربة مختلف المهن. قد يختبرون مهناً مختلفة في مجالات مثل الضيافة والتجزئة والسياحة، وهذا يساعدهم على اكتشاف ما يستمتعون به، وما يتطلّعون إليه في المستقبل».
يستطرد بقوله: «بالنسبة إليّ بصفتي موظفاً يعمل لدى المنظمات غير الحكومية ويرغب في العمل الموسمي، هناك العديد من المهن التي يمكن أن تكون مثيرة وفريدة من نوعها، أذكر منها مساعد في المشاريع الإنسانية؛ حيث يمكن للشخص أن يعمل مساعداً في المشاريع الإنسانية أثناء الإجازة الصيفية. ويمكن أن يشمل ذلك المساعدة في تنظيم الحملات التوعوية، أو تقديم المساعدة المباشرة للمحتاجين في المجتمعات المستهدفة، وكذلك المساعدة في إدارة المشاريع».
تعزيز الاعتماد على النفس
مريم أحمد: العمل في البازارات أو الأندية هي المفضلة لدي خلال فترة الإجازة
ترى مريم أحمد، طالبة إعلام في جامعة القاهرة، أن العمل الموسمي في الإجازة الصيفية يمكن أن يكون مفيداً لبعض الأشخاص؛ حيث يمكنهم كسب مال إضافي، وكسر روتين الإجازة الصيفية. وقد يكون هذا العمل مفيداً للطلاب الذين يحتاجون إلى توفير الأموال لتغطية نفقاتهم الدراسية أو الشخصية. كما يمكن أن يكون فرصة لاكتساب خبرة عملية وتطوير مهارات جديدة.
وتوضح أنه مع ذلك، قد يرى آخرون أن الإجازة الصيفية هي وقت للاسترخاء والاستمتاع، وأن العمل الموسمي قد يعيق ذلك. ويمكن أن يتسبب في تقييد حرية الشخص، وإضافة ضغط إضافي على جدوله الزمني.
وتضيف: «بصفة عامة، يعتمد موقف الشخص من العمل الموسمي في الإجازة الصيفية على أهدافه الشخصية وظروفه الفردية. قد يكون من الجيد أن تنظر في الفوائد والعيوب المحتملة للعمل الموسمي، وتقرر بناءً على ذلك ما إذا كان يتناسب مع ما ترغب فيه خلال الإجازة الصيفية».
وقالت مريم: أعتقد أن العمل في الصيف يمكن أن يكون ذا فائدة كبيرة للجيل الشاب في العديد من الجوانب. وهنا بعض الفوائد المحتملة، مثل تطوير المهارات، وهو فرصة لتعلم مهارات جديدة وتطوير القدرات، فالذين قد يعملون في مجالات مختلفة، مثل: الخدمة العامة، أو الأعمال التجارية، أو العمل الحرفي؛ سيكتسبون مهارات عملية تفيدهم في المستقبل.
كما يساعد عمل الشباب على بناء ثقتهم بأنفسهم، وتعزيز الاعتمادية على الذات. فعندما يواجهون تحديات ويتعاملون مع مسؤوليات العمل، فإنهم يكتشفون قدراتهم وقوتهم الشخصية.
تضيف: قد يكون العمل في الصيف أول فرصة للشباب لإدارة أموالهم الخاصة، وتعلم قواعد المال والميزانية. وقد يكتسبون مهارات في التوفير والاستثمار والتخطيط المالي، وهذا يؤدي إلى اكتساب مهارات مهمة لتحقيق النجاح المالي في المستقبل. كما يعد العمل فرصة للشباب لبناء سيرة ذاتية تعكس خبراتهم ومهاراتهم. ويمكن أن يكون لديهم سجل عمل جيد عقب الانتهاء من الدراسة، والدخول في مجال الحياة العملية.
وعن المهنة التي تفضل ممارستها خلال العطلة، ترى مريم أنه يمكن أن يكون العمل في المعارض أو البازارات المليئة بالأعمال والفنون والحرف اليدوية، تقول: إذا كنتِ تمتلكين مهارات فنية، يمكنكِ تجربة الرسم، والنحت، والخياطة، أو صنع الحلي والإكسسوارات. كما ترى أنه يمكن العمل في الأندية، فهي تراها أعمالاً ممتعة أثناء العطلة الصيفية، تستدرك: «يمكنكِ استكشاف المزيد من الهوايات والأنشطة لاكتشاف ما يناسب اهتماماتكِ الشخصية. قد يكون من المفيد أيضاً الانضمام إلى دورات أو ورش عمل لتعلم مهارات جديدة وتطوير نفسك في المجالات التي تهمك».
يمكنك الاطلاع على لقاءات مع جيل Z: نفخر بزماننا ونبحث عن فرص تناسب إمكانياتنا
التدرب على أدب الحوار
غادة الشّنيتي: العمل الموسمي تتجاوز فائدته الحصول على أجر ماليّ، إلى اكتساب ما هو أعمق وأنفع من الخصال
تؤيّد غادة الشّنيتي، طالبة تونسية في المرحلة الثانوية، العمل الموسمي في الإجازة الصيفية، وذكرت أنّه سبق لها أن عملت في مصنع للحلويّات في إجازة الصيف الماضي، مؤكدة أنّ ذلك أكسبها تجربة مهنيّة واجتماعية، ووفّر لها فرصة تعاملت خلالها مع من يفوقونها سنّاً وخبرة وتجربة في العمل وفي الحياة، فاستفادتْ مهنياً وإنسانيّاً، واكتسبت مهارة في ممارسة عمل يدويّ تقليديّ.
مكاسب
تضيف غادة قائلة: «إنّ العمل الموسمي في مصنع للحلويّات درّبني على أدب الحوار والنّقاش والتّواصل مع الزّبائن، وخلّصني من انطوائي على نفسي، ومن الخجل المفرط الذي كان يلازمني، وأكسبني طلاقة في اللسان ساعدتني على دراستي، فلم أعد أتحرّج مثلاً من طرح الأسئلة في الفصل لمزيد الفهم والاستيعاب.
كما علّمني العمل الموسمي تحمّل المسؤوليةّ واحترام توقيت العمل ومواعيده، واكتسبت خصال الانضباط والإخلاص في العمل، كما اعترضني في تجربتي للعمل الموسمي بعض الصعوبات، توفّقتُ في تجاوزها بمعيّة فريق العمل؛ ما غذّى ثقتي في نفسي، وحفّزني على مزيد من الحركيّة، وثمّن في نظري قيمة العلاقات الاجتماعية».
حسن التصرّف بالمال
تقول غادة إن عملها الموسمي في الإجازة المدرسية سمح لها أيضاً بالحصول على بعض المال وأعطاها فرصة الإحساس بقيمة الاستقلال المالي وفوائده، مستطردة: «تعلّمت أيضاً حسن التّصرّف في الأموال، وعودت نفسي على ادخار قسط من أجري الشّهري لأنفقه خلال السّنة الدراسيّة المقبلة».
وتؤكد غادة: «لو خيرتُ في عمل أمارسه أثناء العطل المدرسيّة لاخترتُ العمل في مكتبة، لأقضي كامل يومي بين الكتب، أصفّفها في الرّفوف، وأسجّل عناوينها، فتتعدّد الكتب وتتنوع أمام ناظري، لتثير عناوينها فضولي، ولتجلبني لمطالعة بعضها»، مضيفة أنّها تفضّل هذا العمل الموسمي؛ لأنّه سيمنحها متعة فكرية وراحة نفسية، ففضاء المكتبات فضاء جميل، ونظيف، وهادئ، ومريح للأعصاب، ومحفّز القراءة. وأنّها ستكون محظوظة؛ لأنّها ستتعامل أثناء ممارستها لهذا العمل مع نخبة مثقفة لن تجد صعوبة في التّعامل معهم.
وتتابع: إنّ العمل في مكتبة لبيع الكتب سيعود بالفائدة على مستواي الذّهني عامّة، وعلى مردودي الدّراسي أيضاً، وسيغذّي تفكيري، ويصقل ذوقي، وهكذا فإن فائدة العمل الموسمي تتجاوز فائدته بالنسبة إليّ حصولي على أجر ماليّ، إلى اكتساب ما هو أعمق وأنفع.
يمكنك الاطلاع على سوق العمل المستقبلي هل ستواكبه التخصصات الجامعية؟