من «أسيرة العادات والتقاليد»، للكاتبة المصرية نجلاء فتحي الجوهري، إلى رواية «بين العادات والتقاليد هنا ياقوت»، للكاتبة الخليجية شموخ جنوبية، ومروراً بسجينة العادات للكاتبة المصرية نرمين قدري، وليس انتهاء بكتاب العادات والتقاليد والمعتقدات في رواية مملكة الزيوان للكاتب الجزائري الصديق حاج أحمد، مئات ومئات الكتب والروايات العربية لامست مسألة العادات والتقاليد، إذ تحتل حيزاً كبيراً من شخصياتنا، فهل كل ما ورثناه عن آبائنا مقبول؟ وبعد وصولنا إلى عام 2023، ما التقليد الذي يزعج الشابات ويتمنين تغييره، وما الذي يسرهن ويرتحن في الاستمرار بالعيش معه وتطبيقه؟ أسئلة واستفسارات تصب كلها في مدى تأثير الثقافة في تفكيرنا وتصرفاتنا، أجابت عنها ضيفاتنا الشابات في هذا الملف الشائق.
أعدت الملف وشاركت فيه | لينا الحوراني Lina Alhorani
الرياض | محمود الديب Mahmoud Aldeep -الشرقية | عواطف الثنيان Awatif Althunayn
المغرب | سميرة مغداد Samira Maghdad - تونس | منية كوّاش Monia Kaouach
القاهرة | أيمن خطاب Ayman Khattab
دور كبير في بناء الإنسان
هند السيف: العادات والتقاليد مكوّن أساسي لبناء المجتمعات
رأت خبيرة المظهر هند السيف، أن «التقاليد لها دورٌ كبيرٌ ومهمٌّ في بناء الإنسان والمجتمع ككل، وتشكيل الثقافة التي تسود وتكوِّن وعي هذا المجتمع، والثقافة عبارةٌ عن مجموعةٍ من التقاليد والعادات التي يتمُّ توارثها عبر آلاف السنين، وتؤثر في طريقة تفكير الإنسان، وتصبح دافعاً له للتطوير وتقديم أفضل ما عنده للارتقاء بحياته، وتحقيق النجاح، والإسهام في تنمية وتطوير مجتمعه».
عادات وتقاليد أصيلة
والسعودية لديها تراثٌ عريقٌ وعاداتٌ وتقاليد أصيلة، منها ما يتعلَّق بالأخلاق، مثل توقير العائلة، والبرُّ بالوالدين، والحرص على صلة الأرحام، والتسابق لفعل الخيرات، وغيرها.
واستناداً إلى تخصُّصها في مجال الأزياء قالت هند: «الملابس تعدُّ مكوِّناً أصيلاً وجزءاً أساسياً من الثقافة السائدة في مجتمعٍ ما، وهناك تقاليد تتعلَّق بالمظهر الخارجي، وتتجسَّد بشكلٍ جلي في الملابس، فالأزياء السعودية، التي تختلف من منطقةٍ لأخرى، أكثر ما يميِّز مجتمعنا عن المجتمعات الأخرى، سواءً ملابس الرجال أو النساء، ويحظى الزي السعودي بقبول لدى فئة الشباب وباحترامٍ كبيرٍ لدى الشعوب الأخرى».
وأكدت هند، أن «الزي السعودي مصدرُ فخرٍ لكل سعودي وسعودية، وهو زي عريقٌ، ويواكب في الوقت نفسه أحدث خطوط الموضة، وهذا ما يُكسبه مزيداً من الأناقة، ويجعله حاضراً في كل الأوقات، ويبرز في أجمل صورةٍ خلال المناسبات الوطنية الكبرى، وتحرص الأسرة السعودية على تربية أولادها على حب ارتدائه منذ الصغر حتى يشبُّوا على حبه واعتياده».
عادات مرفوضة
وكشفت هند في نهاية حديثها عن أن «هناك تقاليد ربما لا تحظى باهتمام الأجيال الجديدة في ظل الانفتاح الذي يشهده المجتمع، خاصةً مَن تلقوا تعليمهم في الخارج، أو سافروا إلى دولٍ كثيرةٍ للزيارة أو العمل، إذ يمثِّل بعض هذه العادات ثقلاً على الأجيال الجديدة، لكنهم يجدون أنفسهم خاضعين لها، ويضطرون إلى التقيُّد بها، لأنها جزءٌ مهمٌّ في تكوين شخصياتهم، وحتى يجاروا أفراد مجتمعهم». مبينةً أن «بعض التقاليد، تمثِّل عبئاً مادياً واجتماعياً على الفرد، مثل الالتزامات العائلية، والتجمُّعات، والإنفاق ببذخٍ، وهذا له دورٌ كبيرٌ في تأخر سن الزواج بالنسبة إلى الشباب والفتيات، فهم يكلِّفون أنفسهم فوق طاقتهم، لأنهم يريدون بدء حياةٍ فيها كل الرفاهيات».
يمكنك الاطلاع على آداب مائدة الطعام.. كيف ينظرُ إِليها شبابُ اليوم؟
سأكون مثل أبي
كادي حسن: اندثرت عادة منع الزواج من خارج العائلة «بناتنا لبنوننا وبنوننا لبناتنا»
تقاليد وعادات، تعد بالقادم الأجمل للسعوديات، كما أكدت كادي حسن، طالبة طب بجامعة بيشة، 21 سنة، التي تحدثت عن عادة أصبحت من الماضي، منها منع الزواج من خارج العائلة «بناتنا لبنوننا وبنوننا لبناتنا»؛ حيث ارتفعت التوعية بأضرار زواج الأقارب منعاً من الإصابة بالأمراض الوراثية.
وبالنسبة إلى التقليد الذي تعيشه كادي يومياً وبكل فخر، هو الشهامة والمروءة والحمية، وصلة الرحم، والكرم والطيبة، والتطوع لخدمة الآخرين ومساعدتهم، خاصة في الأحزان والأفراح، كلها عادات تسري في دماء السعوديين، مثال خطر على بال الطبيبة الصغيرة، وهو ما حدث في سيول جدة، تستدرك قائلة: «سأكون مثل أبي، الذي لم يضطر لمسايرة من حوله في العادات والتقاليد لكونها تعيش فيه أصلاً، حتى الذين يتمردون من الجيل الجديد، على بعضها يغيرون رأيهم عندما ينضجون فكرياً».
حاولت التمرد
ناهد المرزوقي: اكتشفت أن الشخص الأكبر مني لا يفرض رأيه علي، بل يقوله انطلاقاً من خبرته
«الهوية الوطنية»، إلى هذا تنسب ناهد محمد المرزوقي، شابة إماراتية، 25 سنة، تنفيذي علاقات إعلامية، في الشبكة الإعلامية للاتصال، العادات التي لا تفضل تغييرها، لكنها تعطي الحق للشباب في تعديل بعضها، بما يتناسب مع مستقبلهم، وحتى حاضرهم، مثل ضرورة التواصل عبر الأجهزة الإلكترونية لتبادل الأخبار، تعلّق قائلة: «هو أمر كثيراً ما ينتقده الكبار، الذين ما زالوا يفضلون التواصل الحي».
هذا لا يعني أن كل ما يرفضه البعض صحيح أو خاطئ، برأي ناهد، فلكل منا وجهة نظره وقيمه، لكننا نرى بأعيننا أن الإمارات تلعب دوراً عالمياً منطلقاً من أصالة تقاليدنا المتوارثة من أجدادنا، تستدرك: «لا أفضل حصر الزي الإماراتي للمرأة في (العباءة) السوداء؛ لأن اللون الأسود كان ولا يزال يرمز إلى الحشمة للمرأة في مجتمعنا، يمكن للمرأة أن تكون محتشمة بلون آخر».
تحب ناهد من العادات الإماراتية، التواصل مع الأهل والأحبة، وزيارتهم، والوقوف إلى جانبهم، في مناسباتهم وأحزانهم، فهي تقوي العلاقات الإنسانية والأخوية، وتعترف أنها لم تكن تساير بعض العادات، وكانت تعتقد أنها تنصاع إليها؛ لأن مجتمعنا يفرض الامتثال لرأي الشخص الأكبر، تتذكر قائلة: «عندما كنت في مرحلة المراهقة، حاولت التمرد وإبداء رأيي المعاكس، ولكني اكتشفت أن الشخص الأكبر مني لا يفرض رأيه علي، بل يقوله انطلاقاً من خبرته، وحرصاً عليّ».
تختم مريم: «إن تداخل الثقافات بسبب تعدد الجنسيات في الإمارات؛ جعل أطفالنا يتكلمون باللغة الإنجليزية، وجذب المراهقين إلى عادات جديدة ظهرت في الملبس والزينة، وحتى طريقة الحديث».
لا أساير!
تستغرب فاطمة عبد الله، مهندسة بحرينية، 27 سنة، أنها اليوم أصبحت تتصرف على طريقة وعادات أمها، على الرغم من أنها تكشف عن عدم تفضيلها لبعضها، وما يزعجها من حولها هو ثقافة اللوم السائدة في المجتمع أكثر من أنها تقليد، تتابع: «عندما يفعل الشخص أي شيء تنهار عليه عبارات اللوم والمعاتبة من كل جانب، عدا ذلك أشعر بالسعادة عندما أرى أبناء مجتمعنا محافظين على تراثهم من مهن وملبس، ثابتين على مبادئهم، أحب أيضاً «الفزعة» ومشاركة بعضنا البعض في السراء والضراء». لا تقبل فاطمة أن تساير من حولها، لأجل عادة لا تناسب مبادئها وأفكارها، لكن الغلبة تكون للغة الحوار في النهاية، تستدرك قائلة: «الثقافة هذه زُرِعت فينا منذ الصغر بشكل غير مباشر، كبرنا ونحن لا نعي مدى تجذرها فينا، رُبِّينا ونحن نرى حب الضيف وإكرامه، وحب العطاء والإحسان، والرحمة ومساعدة الضعيف، حتى أصبحت كل هذه الأشياء جزءاً منا نفعلها بكل سعادة ونحن لا ندرك ما الذي دفعنا لفعلها بعفوية».
إقرئي المزيد عن شبان وشابات يجيبون.. هل يعكس المظهر الخارجي الشخصية؟
عنبر التقاليد!
المغرب بلد متعدد في مكوناته القومية واللغوية والثقافية، ويتميز بموروث من التقاليد المتناقلة من جيل إلى جيل. والثقافة فيه تنبض في إيماءات يومية بسيطة، تظهر في الحفلات أو الطقوس، أو ببساطة العادات اليومية، التي تشكل قصة ترويها عنبر القباج، 26 سنة، خريجة كلية الطب، من المغرب، تتابع قائلة: «ولدت وترعرعت في مدينة الرباط عبق التاريخ والتقاليد العريقة، أنا فخورة بأصالتي، وفي الوقت نفسه منفتحة على العصر وعلى العالم. أتلذذ بطعم الطقوس والتقاليد التي تفوح بنكهة المحبة والجمال والتسامح».
بدت عنبر مندهشة لكمّ الأقرباء والأصدقاء الذين وقفوا إلى جانب عائلتها في وفاة إحدى القريبات، تستدرك قائلة: «آنسونا حزننا بزياراتهم في الأعياد، وهم يحملون أطباق الحلوى بيد، ويربتون على أكتافنا باليد الأخرى، أريد أن أعيش هذه القيم المتمثلة في اللمة والتضامن مراراً وتكراراً». بدت عنبر قلقة من بعض التقاليد التي تتبنى نظرة قاصرة لكيان المرأة، فلا زالت الزوجة المغربية هي المتنازلة الأولى في كثير من المواقف، حتى عن بعض حقوقها، تعلّق قائلة: «ثمة ممارسات غير عادلة تقمع صوت ورأي المرأة التي حققت نجاحات مميزة وحضوراً مبهراً، من دون أن يعترف بها أحياناً المجتمع التقليدي».
تعتقد عنبر جازمة «أن شباب اليوم بدؤوا يغيرون من تصوراتهم، ليخلقون التوازن بين ما هو تقليدي وما هو عصري؛ حتى لا يكونوا طيوراً تغرد خرج السرب».
حق التعليم
رحاب حسين: أضع خطاً أحمر تحت كلمة الثأر، وهي من التقاليد السلبيّة، التي لم تتلاش بعد
عادات وتقاليد لها أول وليس لها آخر في مصر، من شهقة الملوخية، وكسر قلة خلف المكروهين، والسبوع وشم النسيم.. قائمة لا تنتهي وتختلف من مدينة ومنطقة إلى أخرى؛ حيث تراها رحاب حسين، 22 سنة، من كلية رياض أطفال، تسهيلاً لإقامة علاقات إيجابيّة وبناءة بين كل أفراد المجتمع. تضع رحاب خطاً أحمر تحت كلمة الثأر، وهي من التقاليد السلبيّة، التي لم تتلاش بعد، وكذلك زواج الأقارب، والمغالاة في مهور الزواج، والتمييز بين الذكر والأنثى، وحرمان الأنثى من حق التعليم، لكنها تستدرك: «هناك تقاليد قديمة عاش معها آباؤنا وأجدادنا، كانت صحيحةً وإيجابيةً، وما زالت موجودة عند الكثيرين، مثل: الكرم، والشهامة، لكن البعض تجرد منها، وأصبح خارج المنظومة الثقافية والاجتماعية».
يعد الاحتفال بالمولد النبوي من أجمل العادات التراثية التي تبوح بأسرار مصر، كما ترى طالبة رياض الأطفال.
لم تتمكن رحاب من القول إنها تجاري من حولها على تقليد ما، لكنها تجزم بصعوبة تغير قناعات بعض الناس وعاداتهم، تعلّق: «على الرغم من التطور الفكري والحضاري الذي وصلنا إليه، لكن عقلية أن الرجل أكثر تفوقاً من الفتاة، ما زالت موجودة، وهنا يأتي دور الأسرة الأساسي في نقل العادات والتقاليد الجيدة لأبنائها وتصحيح الأفكار».
حقّي في الحضور الثقافي
ياسمين المستوري: أغلب النّاس لا يكلّفون أنفسهم عناء التّنقل للتّزاور ويكتفون بالاعتماد على التّكنولوجيا
أثّرت التّكنولوجيا الحديثة سلباً في عادة التّزاور، وربما ستسهم في اضمحلالها شيئاً فشيئاً، فلم يعد أغلب النّاس يكلّفون أنفسهم عناء التّنقل للتّزاور، وهذا أمر يخيف الشابة التونسية ياسمين المستوري (19 سنة، طالبة سنة أولى صحافة)، على الرغم من صغر سنّها، تتابع قائلة: «بتنا نكتفي بإرسال رسائل عبر مواقع التّواصل الاجتماعي، تفتقر إلى الحرارة والشّعور الإنسانيّ.. لن أتخلّى أبداً عن عادة تبادل الزّيارات وإعداد الأكلات التقليدية والعتيقة المتوارثة عن الأمّهات والجدّات، عندما أنتقل إلى بيت الزوجية، أريد أن أشرح لأطفالي معنى عاداتنا وتقاليدنا».
تنظر ياسمين بانتقاد إلى بعض عادات الزّواج التي جعلت من بعض مراسمه قوالب جاهزة يجب تطبيقها بحذافيرها، بحجّة التمسّك بالعادات، فأصبحت تسبّب لهما بعض المشاكل؛ لأنّها تربط المشاعر بالمال والجاه.. ما يضطرّ الأزواج الشبان الجدد للتّداين والاقتراض من البنوك أو من العائلة. اتخذت ياسمين قرارها بالاحتفال بزفافها بأقلّ التكاليف، فهي تفضل استثمار أموالها في مشروع مفيد، وقد حاولت مرّات عديدة التحرّر من بعض العادات، ساعية إلى تغييرها، فقد قرّرت مثلاً أن تخرج لمواكبة المهرجانات والأنشطة الثقافيّة والأفلام والمسرحيّات، حتى لو كان التوقيت ليلاً، وقد حصلت على موافقة والديها لتمارس حقّها في الحضور الثقافي والترفيهي والمعرفي.
يمكنك الاطلاع على بعد أن توسّعت دائرة المؤثرين فيها التربية الحديثة في عيون الشباب