تعدّ الأعراف الاجتماعية من المحركات السائدة لتغيير السلوك، والتأثير على تصرفاتنا واختياراتنا، سواء كان ذلك بشكل سلبي أم إيجابي، فتكون بمثابة قوانين سلوكية غير رسمية أو موثّقة، ولكنها تصبح جزءاً من ممارساتنا بسبب انتشارها بين افراد المجتمع. وقد يرتبط بعض منها بالعادات والتقاليد، فمثلاً جرت العادة على الإسراف في أصناف الطعام المقدمة في المناسبات المختلفة مثل موائد رمضان، والأعراس، والاستقبالات، فيشعر الفرد بضرورة ملحة في اتباع هذه الأعراف، حتى وإن لم يكن مقتنعاً بها، وذلك خوفاً من نظرة المجتمع السلبية له في حال عدم التزامه بهذه الأعراف، ولكي يتجنب الشعور بأنه مخالف للأغلبية.
فنظرية الأعراف الاجتماعية، من النظريات السائدة في علم السلوك، والتي يُستند إليها في محاولة التأثير الإيجابي على السلوكيات في العديد من حملات التسويق الاجتماعي، فتشير هذه النظرية إلى أن معظم سلوكياتنا كأفراد تتأثر بتصورنا لما هو "طبيعي"، أو "نموذجي". فيمكن للحملات المختلفة أن توظف هذه الأعراف بشكل إيجابي في رسائلها حتى تحفز الأفراد على التغيير، أو تبني السلوكيات المرغوب فيها. فعلى سبيل المثال، إذا كانت النسبة الأكبر من أفراد المجتمع يمارسون النشاط البدني بانتظام، مثلاً 80%، فإن إبراز هذه النسبة الكبيرة من خلال رسائل الحملة سيشعر الفئة التي لا تمارس النشاط البدني بعدم الارتياح لأنها مخالفة للأغلبية، وسيدفعهم ذلك الشعور إلى محاولة التغيير، والانضمام إلى الفئة الأكبر الممارسة للنشاط البدني. أما إذا حدث العكس، وكانت فئة قليلة جداً هي التي تمارس النشاط البدني بانتظام، مثلاً 20% فقط، فالأفضل عدم إبراز هذه النسبة الضئيلة في رسائل الحملة، لأن ذلك قد يشعر الفئة التي لا تمارس النشاط البدني بنوع من الارتياح والتراخي في التغيير كونهم مع الأغلبية، بما أن النسبة الأكبر لا تمارس النشاط البدني.
كما تستخدم هذه النظرية في مجالات أخرى للتأثير الإيجابي على السلوكيات، فعلى سبيل المثال تقوم بعض الدول باستخدامها لتحفيز الأفراد على ترشيد استخدام الطاقة، من خلال وضع مقارنات في فاتورة الكهرباء عن نسبة استهلاك الكهرباء بين سكان الشارع الواحد، وما إذا كان منزلك ضمن الفئة الأفضل في ترشيد استهلاك الطاقة بالمقارنة مع الأغلبية، ما حفز الكثير من السكان على التنافس فيما بينهم حتى يكونوا ضمن الفئة الأكبر والأفضل في ترشيد استهلاك الطاقة. وقد رأينا نظرية الأعراف المجتمعية تستخدم خلال جائحة كورونا أيضاً، وذلك بهدف تشجيع أفراد المجتمع على أخذ اللقاح، فقامت الحملات الصحية بالإعلان عن النسب المتزايدة بين فئات المجتمع المختلفة التي نجحت في أخذ اللقاح، ما أسهم ذلك في تحفيز الفئات القليلة، التي كانت عازفة عن أخذ اللقاح، حتى يكونوا ضمن الأغلبية. فهذه النظرية تعدّ واحدة من ضمن العديد من نظريات تغيير السلوك التي يتم توظيفها في الحملات المختلفة بهدف التأثير الإيجابي على السلوك، كما تلعب التشريعات والقوانين، وكذلك الحوافز المادية والمعنوية، دوراً مهماً في تحفيز الأفراد والمجتمعات على التغيير، وتبني السلوكيات المرغوب فيها.