هل للشيطان حدائق؟ وما شكل هذه الحدائق؟ هل أزهارها سوداء واشجارها متفحمة وفراشاتها قاتلة شرسة؟.. أسئلة غريبة تطارح عقلك فور ما تلتقط أذناك هذا المصطلح، وهل في مصر أرض الفراعنة، أرض الخصب والنماء، رمز الخير والعطاء، هبة النيل ودرة السماء حدائق للشيطان؟
أوقفي هذا السيل المتدفق من الأسئلة فالإجابة نعم في مدينة العلمين بمصر توجد حدائق للشيطان، بالطبع ليست من صنع الرحمن، ولا الإنسان، ولكنها صنيعة فكر عبقري جبان، وعقل آثم مُدان، خطط ودبر وأطلق للشر العنان، وضع بذور نبت زرع شيطاني سقاه بمكر وخسة وبارود ونيران، لتنمو وتنمو وتنفجر الألغام، فتزهق الأرواح وتشوه الأجساد والأبدان.. وإليك الحكاية من البداية...
• أحد الانتصارات الحاسمة في الحرب العالمية الثانية
-
وفقًا لموقع HistoryLearningSite.co.uk، تعتبر معركة العلمين، إحدى الانتصارات الحاسمة في الحرب العالمية الثانية، حيث دارت رُحى الحرب بشكل أساسي بين اثنين من القادة البارزين في ذلك الوقت القائد البريطاني برنارد مونتغمري قائد معسكر قوات الحلفاء، والألماني المعروف بثعلب الصحراء إرفن روميل، قائد معسكر قوات المحور بالعام 1942.
يحكي أ. نبيل إليعاذر الباحث في تاريخ أوروبا القديم لسيدتي: في الوقت الذي كانت فيه أوروبا الغربية بالكامل تحت سيطرة الألمان، كانت مدينة العلمين المصرية آخر موقف للحلفاء في شمال إفريقيا. إلى الشمال من هذه المدينة التي كانت تبدو غير ملحوظة كان البحر الأبيض المتوسط وإلى الجنوب كان منخفض القطارة بمصر، وقد كانت العلمين بمثابة عنق زجاجة الذي سيضمن عدم تمكن روميل من استخدام شكله المفضل للهجوم، واجتياح العدو من الخلف.
• من انتصر بالنهاية النمس أم ثعلب الصحراء؟
يقول نبيل: "كان روميل جنرالًا محترمًا في صفوف الحلفاء، بينما كان قائد الحلفاء في ذلك الوقت، كلود أوشينليك، ولم يكن يحظ بنفس الاحترام بين رجاله، حتى أنه أرسل مذكرة إلى جميع كبار ضباطه بأمرهم ببذل كل ما في وسعهم لتصحيح هذا الأمر قال فيها "... (يجب) أن تُبدد بكل الوسائل الممكنة لمحي فكرة أن روميل يمثل أي شيء بخلاف الجنرال الألماني العادي" ثم أضاف بنهاية الرسالة: "أنا لست غيورًا من روميل.!"
كان الرئيس البريطاني بذلك الوقت ونستون تشرشل يائسًا من تحقيق النصر، فاستبدل قائده أوشينليك ببرنارد مونتغمري، وكان يحظى باحترم الرجال في قوات الحلفاء، بخلاف أوشينليك.
يؤكد نبيل أنه بالوقت الذي عرف فيه القائد الألماني روميل بثعلب الصحراء وًصف "مونتي" أنه "سريع مثل النمس ومحبوب"، حيث استطاع استعادة الثقة لقواته ودفعهم للنصر.
• بذر بذور حدائق الشيطان
كان روميل قد خطط لضرب الحلفاء في الجنوب، وقد خمّن مونتغمري أن هذه ستكون خطوة روميل كما فعلها من قبل. وقد تأكد ظنه بعد أن حصل على خطة معركة Rommel وقاموا بفك شفرتها، حيث لم يكن "مونتي" يعرف خطة روميل فحسب، بل يعرف أيضًا مسار خطوط الإمداد الخاصة به، في هذا الوقت فكّر ثعلب الصحراء أن ينهي المعركة سريعا فقرر أن يحول أرض العلمين إلى حدائق للشيطان يلهو ويعبث فيها مشيًعا رائحة الموت بكل الأرجاء فأمر قواده بزرع عددًا كبيرًا من الألغام الأرضية المضادة للأفراد وللدبابات جنوب العلمين في منطقة علم حلفا، ومن ثمّ فقد زرعت القوات الألمانية ملايين الألغام بعرض 5 أميال ليكون حقلًا كاملًا للألغام ويكون بمثابة كابوس لقوات الحلفاء.
توقع روميل أن تلتهم "حدائق الشيطان" قوات الحلفاء، وأن يصبح النصر حليفهم، ولكن يأبى القدر لمن يزرع الشر النصر، فهُزم ثعلب الصحراء وقواته أسوأ هزيمة واضُطر للانسحاب بقواته من أرض المعركة.
• الأكثر تضررا بالألغام
--
يؤكد نبيل أن مصر لم تجن من تلك المعركة أية مكاسب فلم ينالها سوى حدائق للشيطان بغرسها الأسود (22 مليون لغم)، وهو ما يعادل 20% من إجمالي عدد الألغام المزروعة حول العالم..
وقد عانت مصر معاناة شديدة لتقتلع بذور الشيطان، التي أودت بحياة آلاف البشر، وتعيد الأمان لأرضها الطيبة، فالمكان بالأساس كان موطنًا لآلاف المزارعين البدو الذين عاشوا برفقة ملايين من ألغام الحرب العالمية الثانية غير المنفجرة، وقد طالبت مصر المجتمع الدولي خاصة إنجلترا وألمانيا- بتحمل المسؤولية والمشاركة في التخلص من حقول الألغام أو حقول الموت التي زرعتها، ولكن هذه الدول تنصلت من المسؤولية المباشرة.
سنوات طوال ومصر تحارب ليتحمل العالم مسئوليته ويقتلع بذور الشر من أرض الخير، حيث تتربع مصر على قمة قائمة الدول الأكثر تضررا بالألغام في العالم.
• مسيرة التحول
ومؤخرًا استطاعت مصر استعادة الأمل وحققت نهضة غير مسبوقة بمدينة العلمين الجديدة، وكان مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري، قد أصدر تقريراً تحت عنوان "العلمين الجديدة... مسيرة التحول من أرض الألغام إلى وجهة عصرية عالمية"، سلط خلاله الضوء على مدينة العلمين الجديدة والتطور الذي لحق بها للتحول من أرض للألغام إلى وجهة عصرية تمثل باكورة الجيل الرابع من المدن الجديدة في مصر، المعتمدة على مصادر الطاقة المتجددة، والتي ستُغير من خريطة الساحل الشمالي المصري بأكمله، لتجعله وجهة للسائحين طوال العام.
بالنهاية جاء الغراة ورحلوا وبقيت العلمين تضمد جراحها ونهضت مثل طائر الرخ الأسطوري لتغير ثوب الألغام بثوب الفرح والبهجة ولتكون مدينة يقصدها السواح من كل الدنيا، ولتصبح أسطورة عالمية ومثلا لبعث الحياة من جديد
لقد تحولت مدينة العلمين من أرض الموت لأرض الحياة والتنمية والنماء، ومن محفل للمعارك والموت والمهالك بلا منازع، لموطن التنمية والتطور والمهرجانات التي ملأت الأجواء والمسامع..