وتبقى الصّوَر..

مريم شمص
مريم شمص
مريم شمص

لماذا نكثر من التقاط الصور؟ لماذا نأخذ كلّ هذه الصور في كل لحظة نعيش فيها حدثاً جميلاً، أو نرى فيها من أنفسنا جمالاً؟

لماذا نحرص على أن نكون في صورنا أجمل ما يمكن وأفضل ما يمكن، وإن لم نكن كذلك سعينا لتجميلها بكلّ ما أتيح لنا من تقنيات مساعدة؟

كأننا نسعى أن نتمسّك باللحظة بكلّ ما أوتينا من وسائل، أن نلقط الزمن في هذه اللحظة بالتحديد بأكفّنا ونحكم إغلاق أصابعنا عليها، أن نحبسه في ورقة مطبوعة جامدة أو في ذاكرة هاتف محمول كي نعود إليه كلّما وجدنا في أنفسنا حنيناً لما كان، أو لما كنّاه حين كان ما كان..

كأننا نريد أن نحتفظ بأجمل شكلٍ بَدَوْنا عليه، بأجمل هيئة ظهرنا فيها، فنخلّد شعورنا بجمالنا مهما تلاعب الزمن بمظهرنا وغيّره..

كأننا نريد أن نجعل من تلك الصورة مرآة ثابتة لا تتبدّل، مرآة لا تتأثر بتبدّل مظهرنا المنعكس فيها.. بل كأننا نريد أن نثبت للمرآة ولوجوهنا المحدّقة فينا عبرها، أنّ جباهنا كانت يوماً بلا تجاعيد، وأنّ شفاهنا كانت ورديّةً طريّة، وخدودنا كانت مشدودة نضرة..

كأننا نريد أن يبقى أطفالنا أطفالاً إلى الأبد في مكان ما، مكان نملكه بين أيدينا ونحتفظ به حيث شئنا، فإذا هاجمنا الشوق إليهم وإلى الأيام التي كنّا فيها عالمهم الوحيد وأبطالهم الخارقين، فتحنا ألبوم الصور وسرحنا بين وجوههم المدوّرة، وعيونهم المشرقة، وأكفّهم الصغيرة المشبوكة في قلوبنا..

كأننا نريد أن نجفّف الوقت الذي كنّا فيه عرساناً بثياب الزفاف، عشّاقاً في أيّام العسل، أمّهات جدداً أو آباءً في شرخ شبابهم..

كأننا نريد أن نخبر خصل الشيب في رؤوسنا كم كنّا رائعين بشعرنا الفتيّ اللامع، وأن نقنع أنفسنا أنّ ترهّل جلدنا، وتهدّل أكتافنا أتى بعد تراكم أحداث كثيرة تشهد عليها صورٌ لنا بأكتاف قويّة وجلدٍ لامع..

كأننا ندرك تماماً أنّ ما من لحظة ترحل ويأتي مثلها أبداً، حرفيّاً وبالفعل.. فلا وجوهنا تبقى هي نفسها، ولا ابتساماتنا تظلّ على البريق نفسه، ولا أعيننا تحافظ على النظرة ذاتها مع مرور الوقت والأحداث وتغيّر ما فينا وما حولنا..

كأننا نؤمن أنّ ليالي الحنين بعد انقضاء أيام الفرح المشمسة، تكون باردةً جدّاً من دون دفء الذكريات.. أنّ أوقات السكون بعد انتهاء زحمة الأحداث، وهدوء ضجيجها، تكون جافّة وقاسية جدّاً من دون لمسة حنانٍ ممّا تبقّى من آثار ما مضى..

كأنّنا نخيط من تلك الصور المعطف الدافئ لأرواحنا حين تداهمها قشعريرة الوحدة بعد انصراف كلّ ما ومن كان يؤنسها..

كأننا باختصار، نريد أن نحافظ على كلّ النسخ المختلفة لأنفسنا، وكلّ من نحبّهم على مدى عمرنا وتتالي أيامنا..

فلنكثر من التقاط الصور، ولنبتسم فيها.. سيأتي يوم تكون فيه نافذتنا الوحيدة للإطلال على حقول ذكرياتنا الخضراء، سيأتي يومٌ لن يبقى لنا غيرها، وسنرحل نحن وتبقى الصور..