«لا يوجد نجاحٌ من دون تحدٍّ»، هذه الحكمة لطالما تذكَّرتها وعملت بها مهندسة التصميم الداخلي الأميركية كينيا بيرسيل خلال رحلتها الإبداعية في عالم تصميم الديكور الداخلي، الذي دخلته حينما كانت في السادسة من عمرها بتشجيعٍ من جدها وجدتها، إذ شاركتهما في ترميم المباني السكنية وتجديدها، وبعد أن كبرت، تعمَّقت في المجال بدراسة التخصُّص. إثر زواجها، انتقلت من كاليفورنيا إلى الكويت للعيش فيها، وهناك تمكَّنت من دمج عناصر التراث الشرقي الغني بتصاميمها، وخلق مساحاتٍ جميلةٍ، لا تُقدَّر بثمنٍ.
حوار :عتاب نور
إخراج إبداعي وتنسيق مظهر : جمانة صوفي
تصوير : عادل جاويد
كينيا بيرسيل
حدِّثينا بدايةً عن فكرة متجركِ الخاص بالديكور إلى أي مدى يعكس شغفكِ بالتصميم؟
وُلِدت فكرة متجري ونشاطي كمصممةً داخليةً من شغفي بالاستخدام اليدوي لإعادة تدوير وتعديل القطع والمساحات، وإعطائها حياةً جديدةً. هذه الرحلة بدأت عندما كنت في سن ستة أعوامٍ، إذ كنت أذهب مع جدي وجدتي إلى منازل ومباني سكنيةٍ مهترئةٍ، يشتريانها، ونعمل على تجديدها، بما في ذلك الأثاث. في تلك الفترة تعلَّمت كثيراً من مهارات العمل اليدوي منهما، وتعلَّقت بمفاهيم الاستدامة، مع الحرص على استخدام ما لدينا باليد. تعلَّمت أيضاً أن أحبَّ القصة التي تكمن وراء القطع، وأدركت أنها روحُ المكان، وقد دفعني ذلك للغوص عميقاً في عالم تصميم الديكور الداخلي، وفتح متجرٍ خاصٍّ بي، أجمع فيه قطعاً مُجدَّدةً ومعاداً تدويرها وتصنيعها.
يمكنك متابعة الحوار على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط مهندسة التصميم الداخلي كينيا بيرسيل: أعشق الأنماط الشرقية
دعمُ الاستدامة
هذا يعني أنكِ تركِّزين على مفهوم الاستدامة والتصاميم الصديقة للبيئة في عملكِ؟
نعم، بالتأكيد. إحدى قيمنا الأساسية دعمُ الاستدامة، ونعتقد أن التسعير الميسَّر، يلعب دوراً حاسماً في تحقيق ذلك. نحن نحرص على جعل أسعارنا مناسبةً للميزانية، ما يضمن استمتاع الجميع بهذه القطع الجميلة، وتقدير قيمتها العالية. إنها طريقةٌ لجعل الاستدامة متاحةً لجمهورٍ أوسع، وتشجيع الاستهلاك المدروس. بالنسبة لي، لا يتعلَّق الأمر فقط ببيع المنتجات، وتقديم خدمات التصميم، إذ أسعى أيضاً إلى خلق رابطةٍ بين الناس والأشياء والمساحات التي يعيشون فيها، وتكريم حرفية الماضي مع استيعاب إمكانات الحاضر. أنا مدفوعةٌ بفرحة تحويل شيءٍ قديمٍ ومهملٍ إلى شيءٍ جميلٍ وذي معنى ومستدامٍ.
ما الذي يميِّز قطع الأثاث الموجودة في المتجر، ومن أين يتمُّ استيرادها؟
تتميَّز القطع التي لدينا في المتجر بتنوُّعها الكبير، ونأتي بها من كل أنحاء العالم. نحن نحصل على قطعٍ جديدةٍ بشكلٍ أسبوعي، ما يجعل الأمر مثيراً للغاية، ويشكِّل مفاجأةً مستمرةً، وغايةً نتطلَّع إلى تحقيقها دائماً. كثيرٌ من قطعنا فريدةٌ ولا تتكرَّر، لذا هي خاصةٌ للغاية.
ما الصعوبات التي واجهتكِ بعد افتتاح المتجر، وما الذي حفَّزكِ على تجازوها؟
بعد فتح متجري الخاص، واجهت تحدياتٍ كثيرة، وتجاوزتها متسلحةً بحكمةٍ من جدي وجدتي تقول: «لا يوجد نجاح من دون تحدٍّ». أحد التحديات الشائعة التي واجهتها الاعتقادُ بأن العرب لن يشتروا الأثاث المستعمل، أو المعاد تدويره، وعلى الرغم من أن هذا قد يكون صحيحاً في بعض الحالات، إلا أنه لا ينطبق على الأغلبية. أعتقد أنه مجرد مفهومٍ جديدٍ نسبياً في المنطقة، فمع مرور الوقت، والتعليم، والحاجة المتزايدة إلى الاستدامة، سنتجاوز هذه النظرة، وبوصفي مصممةً ومالكة متجرٍ، ألتزم بعرض جمال وقيمة القطع المعاد تدويرها، ونشر الوعي بفوائدها البيئية، ومتفائلةٌ بأن مزيداً من الناس سيتقبَّلون فكرة إعادة الاستخدام، وسيقدِّرون السحر والطابع الفريد الذي يأتي مع الأثاث المستعمل.
"ألتزم بعرض جمال وقيمة القطع المعاد تدويرها"
الحياة في الكويت
كيف تصفين الحياة في الكويت، وما أكثر ما جذبكِ بها؟
ممتنةٌ وفخورةٌ جداً بأنني كويتيةٌ، وأشعر بالشرف لكوني عشت، وربَّيت أسرتي هنا. لا يوجد شكٌّ في أن هناك نواحي إيجابيةً وسلبيةً في كل بلدٍ، لكنَّ الإيجابيات تفوق بكثيرٍ السلبيات في الكويت. إنه لمن الرائعٌ أن تكون لديك عائلةٌ قريبة الصلة بهذا الشكل، والفرص والموارد المتاحة هنا متميزةٌ، وقيم الأسرة والدعم، هما الأمر الأساسي.
ماذا عن المرأة الكويتية، كيف تقيِّمين ذوقها في تصميم واختيار ديكورات منزلها؟
يلفتني وبشكلٍ مستمرٍّ الحسُّ الرائع للأناقة الذي تتمتَّع به النساء في الكويت والشرق الأوسط عند تصميم منازلهن. حقاً هو مذهلٌ كيف ينعكس أسلوبهن الشخصي وميراث عائلاتهن في كل زاويةٍ من زوايا منازلهن، والتنوُّع الذي تراه من منزلٍ لآخر مدهشٌ ورائعٌ.
ما هو مميَّزٌ بشكلٍ خاصٍّ الطريقةُ التي يمزجن بها تراثهن الثقافي الغني بأسلوبٍ حديثٍ. إن لديهن نظرةً رائعةً لخلق التناقضات الفريدة التي تجمع بين الثقافة والأساليب الحديثة. هذا المزيج المتناغم بين الماضي والحاضر، يجعل منازلهن فريدةً وجذَّابةً بحقٍّ.
كيف تصفين لنا منزلكِ، وما الهوية التي تطغى عليه؟
منزل عائلتنا متنوِّعٌ وبسيطٌ في الوقت نفسه، ويعكس تنوُّع أسرتنا متعددة الجنسيات، ويتغيَّر بالتكرار ذاته الذي نغيِّر به قطعنا من متجرنا، أو رحلاتنا. شخصياً أحبُّ الشعور العاطفي جداً، والشعور بالتناغم في المنزل، وأميل حالياً للأسلوب البريطاني أكثر. إنه أسلوبٌ رائعٌ، يمكن من خلاله دمج أثاثٍ أنيقٍ وكلاسيكي مع مزيجٍ جماعي من الفن والديكور من إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا. هذا التوازن يضيف لمسةً فريدةً وجذَّابةً لمنزلنا حيث يعرض التأثيرات الثقافية الغنية التي تعني الكثير لعائلتنا.
نقترح عليك متابعة اللقاء الخاص مع المصمم الإسباني أليكس استيفيز
الطراز البوهيمي والشرقي
ميلكِ لاختيار عناصر الديكور من أنماطٍ مختلفةٍ، وضمِّها سوياً بشكلٍ مفعمٍ ومتفاوتٍ يعني اتجاهكِ للطراز البوهيمي الذي يعكس حرية صاحب المسكن إلى حدٍّ كبيرٍ، لماذا اخترتِ هذا الأسلوب؟
الطراز البوهيمي المميَّز أحد أنماطي المفضَّلة بلا شك. ما أحبُّه في هذا النمط الارتباطُ الوثيقُ بالتصميم البريطاني، إذ يتمتَّع بروحٍ أكثر حريةً، ويأتي بمزيجٍ أكبر من الأنماط والعناصر. يتَّسم «البوهو الشيك» بروح المغامرة والاستكشاف، ويتيح خلق مزيجٍ جميلٍ من النمطيات والمواد العضوية واللمسات المعدنية. إنه طرازٌ، يشجِّع على الإبداع والتعبير الشخصي، ما يجعل كل مساحةٍ فريدةً ومملوءةً بالحيوية. سواءً كان ذلك من خلال تضمين أثاثٍ من الخيزران، أو أقمشةٍ زاهية الألوان، أو إكسسواراتٍ مستوحاةٍ من مختلف الثقافات، يخلق «البوهو الشيك» جواً دافئاً ورحباً، يعبِّر عن الروح الداخلية للمكان.
وماذا عن الطراز العربي الشرقي في الديكور، كيف تصفينه، وإلى أي مدى يعكس الثقافة والذوق العربي؟
أنا أعشق الأنماط العربية الشرقية والثقافات المرتبطة بها. على عكس الوضع في أمريكا إذ لا نملك نمطاً ثقافياً محدداً، في الشرق الأوسط يمكن أن تشعروا بثقافة الأرض وتاريخها وهويتها. من المثير مشاهدة كيف تستدعي التصاميم الشرقية العربية الأنماط المعقدة، والألوان الزاهية، والحرفية الرفيعة شعوراً بالمكان والعمق الثقافي، ويسمح لي دمج عناصر من هذا التراث الغني في تصاميمي بخلق مساحاتٍ جميلةٍ، لا تُقدَّر بثمن، تحكي قصةً، وتحتفل بثراء الثقافة العربية الشرقية.
"أسعى إلى خلق مساحات تستحضر الشعور بالتوازن والهدوء والتناغم البصري"
المزج بين الكلاسيكي والحديث
في مقارنةٍ ما بين «الستايل» الحديث، و«الستايل» الكلاسيكي الذي يتَّسم بالفخامة والذوق الرفيع، كفةُ أيهما ترجح لديكِ؟
بوصفي مصممةً داخليةً، أجد متعةً كبيرةً في مزج عناصر الأنماط الحديثة والكلاسيكية في تصاميمي. كل نمطٍ يمتلك جوانبه الفريدة والمثيرة، فالتصميم الحديث يتبنَّى الخطوط النظيفة، والبساطة، والوظائفية، بينما ينبضُ التصميم الكلاسيكي بالأناقة والرقي والجمال الخالد. من خلال مزج هذه الأنماط، أنشئ مساحاتٍ، تتميَّز بالفخامة والذوق الرفيع، وأستخدم قطعَ أثاثٍ حديثةً بتشطيباتٍ أنيقةٍ، وأجمعها مع تفاصيلَ معماريةٍ تقليديةٍ، أو إكسسواراتٍ مزخرفةٍ. هذا الأمر يسمح لي بخلق توازنٍ متناغمٍ بين الجماليات المعاصرة، وسحر التصميم الكلاسيكي الأبدي، ويضفي هذا الجمع بعمقٍ على المساحات، ويعطيها طابعاً خاصاً، ويعكس بشكلٍ حقيقي شخصية وتفضيلات العميل.
ما الخطوة الأولى في عملية التصميم الداخلي، ولنأخذ على سبيل المثال تصميم غرفةٍ؟
عند تصميم غرفةٍ من المهم جداً، بعد أخذ المقاسات وتحديد الإضاءة الطبيعية، التعرُّف إلى وظيفة المساحة، فهو أمرٌ حاسمٌ جداً. إن فهم كيفية استخدام الغرفة، والأنشطة التي ستجري فيها، يسمح لي بإنشاء تصميمٍ، لا يبدو جمالياً فحسب، بل ويخدم الاحتياجات العملية للساكنين أيضاً. سواءً كانت غرفةَ معيشةٍ مخصَّصةً للراحة والترفيه، أو مكتباً منزلياً، يتطلَّب التركيز والإنتاجية، تضع وظيفة المساحة الأساس لعملية التصميم بأكملها، ومن خلال النظر في الغرض المقصود للغرفة، يمكنني اتخاذ قراراتٍ مستنيرةٍ بشأن أماكن الأثاث، وتدفُّق المرور وحلول التخزين، وعناصر التصميم الأخرى لضمان وجود مساحةٍ منسجمةٍ ووظيفيةٍ، تتماشى مع احتياجات ونمط حياة العميل.
ومن عالم الديكور نقترح عليك لقاء مع المصمم علي محمديون
التناغم بين المساحات والألوان
كيف يمكن تحقيق التناسق بين الفراغات والألوان ودرجاتها لتحويل المنزل إلى عملٍ فني متناغمٍ؟
أعتقد وبقوةٍ أن تحقيق التناغم بين المساحات والألوان وظلالها أمرٌ أساسي، ومن خلال النظر الجيد، والتخطيط الاستراتيجي، أضمن تصميماً متجانساً وجذاباً بصرياً، بينما أنشئ من خلال اختيار لوحة ألوانٍ، تتناسب مع الغرض والمزاج لكل مساحةٍ تدفقاً متناغماً في كل أركان المشروع. إضافةً إلى ذلك أولي اهتماماً كبيراً للعبة الضوء والظلال، إذ يمكن أن يؤثِّرَا وبشكلٍ كبيرٍ على تصوُّر الألوان، وتعزيز الجو العام، وأسعى من خلال مزيجٍ متوازنٍ من الألوان والملمس والإضاءة إلى خلق مساحاتٍ، تستحضر الشعور بالتوازن والهدوء والتناغم البصري.
بالنسبة إلى الأسقف والأرضيات والجدران، كيف يتمُّ اختيارها، وما دورها في التصميم وتشكيل جمالية المكان؟
عندما يتعلَّق الأمر باختيار الأسقف والأرضيات والجدران، بوصفي مصممةً داخليةً، أتبع مبادئ معينةً لتقديم تصميمٍ متجانسٍ وجمالي.
أولاً أنظر إلى النمط والموضوع العام للمساحة، وسواءً كان التصميم حديثاً، أو تقليدياً، أو مزيجاً من الأساليب، يجب أن تكون المواد والتشطيبات متوافقةً مع الجمالية المرغوبة. ثانياً أولي اهتماماً للوظائفية والعملية لكل سطحٍ، على سبيل المثال في المناطق ذات حركة المرور العالية، أختار أرضياتٍ قويةً وسهلة الصيانة. ثالثاً أنظر إلى التوازن البصري والنسب، فاختيار ألوانٍ متناغمةٍ، وملمسٍ ونمطٍ للأسقف والأرضيات والجدران، يخلق تدفقاً بصرياً متجانساً. أخيراً أضع في اعتباري المزاج والجو المرغوب في المساحة، فالألوان الدافئة، والمواد الطبيعية، يمكن أن تخلق جواً دافئاً.
"يلفتني الحس الرائع للأناقة الذي تتمتع به النساء في الكويت والشرق الأوسط عند تصميم منازلهن"
استمتعي بمساحتك
أخيراً ما نصيحتكِ الدائمة للباحثات عن التميُّز في تصميم منزلهن، ووضع بصمتهن الخاصة؟
نصيحتي لكل امرأة: استخدمي القطع التي تحبينها، وزيِّني المنزل بما يناسبكِ. عندما يدخل شخصٌ ما إلى بيتكِ، يجب أن يشعر، وأنتِ طبعاً، بأن المساحة تعكس شخصيتكِ بالفعل. عليكِ أن تتذكَّري دائماً أن الأثاث يمكن أن يُعاد تدويره وتعديله ليناسب تطور ذوقكِ مع مرور الوقت. هناك أشخاصٌ، يشغلون أفكارهم بما يعتقده الآخرون، لكن الأمر المهم أنكِ أنتِ التي تعيشين في منزلكِ، لذا استمتعي بمساحتكِ، واحتفلي بها، واصنعي ما تحبين.
نقترح عليك متابعة اللقاء مع المهندسة والمصممة كارول عكاري