أن يقف الرجل في المطبخ أمام الفرن؛ ليعد وجبة طعام جيدة وسط صراخ الأطفال الجائعين، بعد عودته من يوم عمل شاق، ويقدمها للعائلة المتحلقة حول المائدة، بحيث يكون حجمها كافياً وطعمها لذيذاً، هذا أمر مستحيل، فقد أكد الكتاب الصادر حديثاً في ألمانيا بعنوان الرجال في المطبخ، أن الرجال عندما يقفون أمام الغاز أو الفرن، وأمامهم كومة من الخضراوات واللحوم، فهم يظهرون جدية مبالغاً فيها، تجاه ما سيعدون من طعام، وفي الوقت نفسه هم بطيئون للغاية، ولديهم خطة واضحة المعالم ومتتالية الخطوات، فلا يقفزون من خطوة إلى أخرى، أو يضيفون ما هو غير موجود في الوصفة.
يركز الكاتب هوغو ديسنوير، الذي جمع خبرة تمتد من هونغو نغ إلى باريس، على كتابة وصفات أساسها اللحوم، حيثُ إن الرجال يميلون إلى أكل اللحوم بشكل أساسي، كما أن الكتاب مخصص للرجال الراغبين في الطبخ، ويضم 88 وصفة يقدم من خلالها ديسنوير خلفية معلوماتية شاملة عن جميع أنواع اللحوم، البقر، الغنم والدجاج، وخلافه، ويفرق في كتابه بين أجزاء الحيوان المختلفة، وأي منها يصلح لأي وصفة، ويقدم عرضاً موسعاً لتاريخ الحيوان نفسه.
أحدث صدور الكتاب في ألمانيا صدى جيداً، وذلك لأنه يواكب ظاهرة جديدة، وهي زيادة عدد الطباخين من الرجال؛ حيثُ أظهرت الإحصاءات الحديثة أنه بلغ عدد الطباخين في ألمانيا نحو 443 ألف طباخ.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الرجال الألمان يظهرون رغبة قوية للطبخ في المنزل واهتماماً واسعاً باكتشاف وتجريب وصفات خارج المطبخ الألماني التقليدي، والذي يعمل الكتاب على تقديمها.
فالحمص مثلاً متضمن في الكتاب.
بين الموهبة ورغبة التجريب
طبخ الرجال موهبة، وتقضية وقت، أم رغبة في مساعدة النساء؟ ولماذا يقف الرجل الألماني في المطبخ؟ ما غايته من شغل مكان مخصص عبر التاريخ للسيدات والأمهات؟
يجيب غونتر لـ«سيدتي» على هذا بالقول: «أنا أشعر بالسعادة، وأنا أعمل في المطبخ، وهو وسيلة لإزالة الضغط، حيثُ ينشغل فكري كلياً بما أعد أو أحضر، بالتأكيد لا أستطيع أن أطبخ يومياً، وأفضل أن أشغل المطبخ يومي السبت والأحد»؛ حيثُ العطلة الرسمية في ألمانيا، وتظهر النساء الكثير من الامتنان والشكر للرجل الذي يقدم لها عشاء فاخراً في المنزل من إعداده الشخصي؛ حتى إن إحدى الإحصائيات التي صدرت في عيد الحب السابق، أظهرت أن أغلب النساء يرغبن في أن تكون هدية عيد الحب عشاءً خاصاً في المنزل من إعداد الحبيب.
وحسب الآراء التي استطلعتها «سيدتي»، يشكل يوما السبت والأحد، الأيام الرئيسة التي يقوم الرجل بها بالطبخ، ويؤكد يوغ أن طبخه يأتي كونه موهوباً بفن الطبخ، حتى إنه يستطيع اكتشاف المكونات التي تتشكل منها هذه الطبخة أو تلك عند تذوقها، وإعدادها منزلياً.
ولا تخلو مكتبة يوغ كما الكثير من الألمان الذين سافروا واطلعوا، على كتب الطبخ الشرقية، من وصفات لتحضير الفلافل، الكباب، الكبسة، الكفتة، حيثُ يتميز يوغ وكثير من الألمان بقدرتهم على تحضير الفلافل، فالطبخ العربي يشكل تحديداً للرجال الألمان مجالاً واسعاً للتجريب والتذوق، وخاصة أن ما يميزه هو كثرة البهارات المستخدمة، والتي بحد ذاتها تبهر الألمان، وتزيد من رغبتهم للتجريب؛ كون المطبخ الألماني يفتقر بشدة للبهارات والنكهات.
السكاكين الدمشقية
إن السكاكين الدمشقية، والتي تميزت بصناعتها دمشق على مر العقود، والمؤلفة من طبقات متتالية من المعدن، وهي حادة للغاية، طورها اليابانيون بواسطة الأجهزة الحديثة، وأنتجت ألمانيا الكثير منها، وتلقى رواجاً كبيراً في ألمانيا، ولازالت تعرف باسم السكين الدمشقي.
يقول فيكتر نيوكس أحد وكلاء شركات السكاكين الدمشقية: إن المزيد والمزيد من الرجال دائماً يظهرون اهتماماً أكبر لاختيار السكين الأفضل للمطبخ، لقد عاينا هذا من خلال التجربة.
ويضيف: الرجال يولون أهمية كبيرة لاقتناء سكين لكل غرض أو غاية، سكين للحوم، سكين للخضراوات، سكين للتقشير، حتى سكاكين اللحوم تختلف باختلاف أنواع اللحوم، وهذا أمر يفرقه الرجال ويقدرونه.
بينما يرى الكثير أن الأمر ليس على هذا النحو عند النساء، التي على الأغلب تستخدم سكيناً أو اثنين.
التكنولوجيا تُلهم الرجال
يؤكد الخبراء أن تطور وسائل الطبخ الحديثة، وما قدمته التكنولوجيا من جديد، شجعت الرجال على الخوض في غمار تجربة الطبخ، فمدير تسويق إحدى شركات أدوات الطبخ، فيليب هوفمان يؤكد أن الرجال يهتمون بشكل متزايد بأدوات المطبخ ذات التقنية العالية، فالتكنولوجيا الحديثة تلهم الرجال.
فالطبخ على البخار مثلاً لم يعد حصراً على الطباخين في المطاعم، بل أصبح بإمكان الرجال وضع قطعة اللحم التي يريد مع الخضار المناسبة في طنجرة البخار الخاصة، ومن ثم الذهاب لمشاهدة مباراة كرة القدم.
إضافة إلى أن الأفران والمواقد التي يمكن أن يحدد لها الزمن، وبمجرد انتهاء الزمن، تطفأ بشكل أتوماتيكي، تعد ثورة في عالم طبخ الرجال، فالرجل يستطيع أن يضع الأرز على نار هادئة وتحديد مدة عشر دقائق والذهاب إلى عمله، فالموقد سيُطفأ إلكترونياً، ثم يعود ليجد الأرز جاهزاً.
كما يؤكد هوفمان أن الرجال يرغبون في استخدام مواقد تكنولوجية ومتطورة أكثر بكثير من النساء، اللواتي يرغبن بالفرن التقليدي.
حيثُ إن الكثير يذهب للقول إن من يحرك سوق المنتجات الكهربائية عالية الجودة وشديدة الدقة الخاصة بالمطبخ هم الرجال وليس النساء.
يورغ يلتي أحد أصحاب محلات أدوات الطبخ، يؤكد أن الرجال متحمسون للغاية لاستخدام مهارات التكنولوجيا أكثر من النساء، فعندما يأتون إلى المحل، لا يكتفون فقط بسؤال البائع، بل نراهم يتبادلون الأحاديث فيما بينهم حول أحدث التكنولوجيا المطبخية، وكيف يمكن تطبيق هذه الوصفة أو تلك بناءً على استخدام هذه التقنية أو تلك.
ويحاول الرجال ربط التقنيات التكنولوجية بوصفات الطبخ، مما يقدم لهم معنى آخر للطبخ.
نجوم البرامج طباخون
يعزي الكثير من المراقبين نمو ظاهرة طبخ الرجال، إلى أن أغلب البرامج التلفزيونية التي يتم عرضها حول الطبخ، يقوم بتقديمها الرجال الطباخون وليس الطباخات، فمن بين 247 نجم طبخ، كانت حصة الرجال الطباخين هي 266.
ومن المعروف أن قبول أي طباخ؛ ليكون مقدم برامج طبخ في التلفزيون الألماني، يتطلب حصوله على أربع نجمات على أقل تقدير، بمعنى حصول مطعمه أو مطبخه على سمعة طيبة؛ لذا ووفقاً للنسبة السابقة فإن الرجال يعملون فعلياً على منافسة النساء في هذا القطاع، حتى إنه لمعت أسماء الكثير منهم في الفترات الأخيرة، على حساب الطباخات النساء في مجال برامج الطبخ التلفزيونية.
وبما أن هذه البرامج تعود بالفائدة على صاحب المهنة ودخله، فهذا يعني أن الرجال ينافسون النساء في ميدانهن بقوة.
إضافة إلى توجه الكثير من السياسيين والممثلين والفنانين إلى الطبخ واستضافتهم ببرامج خاصة بهم؛ مما ساعد للترويج أكثر لصورة الرجل الذي يطبخ.
طبخ الرجال في ألمانيا على مستوى آخر، يؤكد أن النساء والرجال على قدم المساواة والأحقية للأفضل.