هم مطاردو الخير والفرحة، يجرون خلف السحب والغيوم؛ ليحطوا رحالهم بين الجبال والوديان؛ ينتظرون السعادة مع لمعان البرق وهزيم الرعد، يتحدون العواصف ويعشقون الخطر، تسطر الأمطار ذكرياتهم ليدونوا أروع المناظر والمشاهد الخلابة التي أبدعها الخالق في لوحات فنية طبيعية تخطف الأبصار والقلوب.
عمر النعيمي، مدير موقع العاصفة الخاص بمطاردي الأمطار، وأحد أهم وأشهر المطاردين في الإمارات، يقول لـ «سيدتي»: «لماذا ننظر لهذه الهواية باعتبارها خطيرة، إنها قديمة، مارسها الكبار والصغار، وهي عبارة عن رحلة فردية أو جماعية نقوم من خلالها بتتبع الغيوم والسحب بعد تحري أخبار الطقس، وتسجيل ما نشاهده بكاميراتنا الخاصة».
ويصف النعيمي كيفية الإعداد للرحلة فيقول: «نقوم بتجهيز الأدوات التي نحتاجها، وأولها السيارات التي لابد أن تكون من نوع الدفع الرباعي؛ حتى تتناسب مع السفر والدخول في بعض الأماكن الوعرة غير الممهدة، كذلك نحرص دائماً على وجود حبال قوية لشد السيارات، ونحرص على وجود موزع كهرباء؛ لشحن الهواتف، بالإضافة لأجهزة المناداة اللاسلكية، ولا ننسى الكاميرات لأن الأمور هناك تحدث بسرعة الضوء، ولابد أن نكون على استعداد دائم لها، وأطلقنا مؤخراً قناة «العاصفة»، الإلكترونية نبث من خلالها أهم ما قمنا بتصويره من أفلام، والأخبار الخاصة بحالة الطقس. ونكتفي للطعام بالشاي والقهوة والتمر، إلا في الرحلات الطويلة التي تحتاج لبعض الأطعمة الخفيفة».
نصائح وتوجيهات
جذبته الأمطار مثلنا جميعاً، كان ينتظرها ويتابعها منذ صغره، ليتحول عشقه لها لهواية تميزه وسط أقرانه، إنه الضابط في شرطة أبوظبي علي الحديدي، الذي بدأت رحلته ومطارداته سنة 1994 في الأماكن الجنوبية للدولة برأس الخيمة والفجيرة، حيث تكثر الأمطار الصيفية، أو ما يطلق عليه «الروايح». يقول الحديدي: «نعشق التميز وتربينا عليه، وهوايتنا أيضاً مميزة إذا ما التزمنا بمعايير الأمن والسلامة، وأنصح من يتبع هذه الهواية أن تكون المطاردات جماعية، وأن نتأكد من وجود إرسال في الهاتف المتحرك، ونتعرف جيداً على مخارج بديلة لمنطقة المطاردات، ولا نجازف بالدخول للمناطق الوعرة ويجب توخي الحذر الشديد عند المطاردات في فترة الاضطراب المناخي».
فتيات في المطاردة
لم يكن يعلم علي المرزوقي، مدير شبكة أجواء لهواة الطقس، أن رحلاته مع أهله وهو طفل صغير لبعض أماكن الأمطار في الشتاء ستسفر عن مطارد شهير للعواصف والأمطار، يمتلك أرشيفاً فوتوغرافياً على مواقع الإنترنت لأكثر من 70 مطاردة في كل أنحاء الدولة، وبعض المناطق المحيطة بها، فقد جذبته تلك الهواية الشيقة، وسحرته روعة وجمال الغيوم قبل وبعد سقوط الأمطار، لذلك لم يرفض أن تصاحبه ابنته الصغيرة «مزون» في معظم رحلاته، لتصبح بذلك أول مطاردة أمطار في الدولة.
أما «مزون»، تلك المطاردة الصغيرة، فتقول: «أشعر في كل مطاردة بأنني مثل الطائر الصغير الذي يحلق من دون قيود أو خوف وسط الأمطار والرياح، فقد شاركت والدي معظم مطارداته في وادي الزيد، شوكة، مسافي، وادي القمعة، والعديد من المطاردات في سلطنة عمان، وأتمنى أن يأتي اليوم الذي أطارد فيه الأمطار بمفردي».
على شفا الوادي
يطارد أحمد البرق الأمطار، منذ حصوله على رخصة القيادة قبل 10 سنوات، وعن ذلك يسرّ لنا: «تحتاج المطاردات إلى صبر، خاصة أيام الصيف، عندما نقف تحت لهيب الشمس من الساعة 12 حتى الخامسة في انتظار الأمطار الصيفية التي تعرف بـ«الروايح». وذات يوم كنت في مطاردة في ولاية محضة العمانية، حيث تساقطت الأمطار على رؤوس الجبال ولم تصل إلينا، فقررت الذهاب لمطعم قريب لتناول وجبة غداء متأخرة عند العصر لعدم هطول الأمطار، وأنا في طريق العودة وبالقرب من الجبال التي كانت فيها الأمطار، تفاجأت بوادٍ يقطع الطريق العام، وكانت المياه المنحدرة منه قوية جداً، ولأنني لم أكن مسرعاً تنبهت وأوقفت السيارة على بعد سنتيمترات منه، وانتظرت ساعتين حتى قلّ منسوبه لأعبر الطريق. لذلك لابد من أخذ الحيطة والحذر بالبعد عن مجاري الأودية القوية؛ حتى نحمي أنفسنا وكذلك السيارة».
علقنا في الرمال
عن أهم وأفضل مناطق المطاردات قال تميم سالم التميمي، عضو مجلس إدارة مركز العاصفة: «أفضل تلك المناطق هي الوسطى في الدولة، والتي تكثر فيها الوديان، والمناطق الحدودية بين الإمارات وعمان». ويتعجب التميمي ممن يرى هذه الهواية خطيرة أو مضيعة للوقت، فهي تحقق متعة كبيرة لعشاق المطر، ناهيك عن المناظر الخلابة التي تحدثها الأمطار والظواهر المصاحبة لها. وعن الصعوبات التي تواجهه قال: «الطرق التي نسلكها قد تشكل عقبة، وأذكر عندما كنت برفقة صديقي أحمد البرق في سويحان، وكان المطر متركزاً على الرمال، توغلنا داخلها لمسافة طويلة، ثم علقنا لثلاث ساعات، كانت مغامرة متعبة، لكن لها لذتها وطعمها الخاص، وأشدد على ضرورة التأكد من سلامة السيارة، خاصة التنبيهات الضوئية والإطارات والمساحات ونظام الفرامل، وتعبئة المركبة بما يكفي من وقود، وعدم الانشغال إلا بالطريق، وترك الأجهزة المتحركة قدر الإمكان، واتباع تعليمات وتحذيرات المركز الوطني للأرصاد الجوية والزلازل.
صور المطاردين على تويتر وإنستغرام
«أعشق المطر والمناظر الخلابة التي يحدثها في الجبال»، هكذا بدأ هزاع الظاهري، الطالب بكلية التقنية العليا حديثه، وتابع: «رغم أنني مطارد للأمطار ولي رحلاتي الخاصة ومغامراتي مع أعضاء المركز، إلا أن لي دوراً آخر؛ وهو نشر أخبار وصور المطاردين على «تويتر وإنستغرام» والمجموعات الخاصة بنا على «واتس آب»، مع نشر المزيد من المعلومات عن حالة الطقس».
ورغم بعض المخاطر والصعوبات التي تواجه من يمارس هذه الهواية، إلا أن إبراهيم الشحي لا يمانع أن يلحق به ابنه الصغير لمشاركته المتعة، ويؤكد أن مطاردة الأمطار وتصويرها مثل أي هواية أخرى، لكنها تحتاج إلى وسائل أمان وقدرات خاصة.