رغم حرص المجتمع السعودي على اللغة العربية، كونها لغة القرآن والشريعة، إلا أنه وبحكم التطور الحاصل وضرورة تعلم اللغات وإتقانها لتطوير للذات واكتساب المعارف، بدأ التركيز على تعلم لغات أخرى خاصة الإنجليزية، والتي انتشرت في المجتمع السعودي بشكل كبير مع انتشار المدارس الأجنبية العالمية، وذلك لمواكبة الإنفتاح والتطور الذي تشهده المملكة. لكن المشكلة التي بدأت تلوح في الأفق هي ابتعاد الأبناء عن اللغة الأم وبدعم من الأهل، والذين بدورهم يعترفون بمسوليتهم بتراجع لغة أبنائهم، فهل من حلول معرفية لحفظ لغتنا وتعلم ثقافة الآخر ولغته بذات الوقت؟
حول هذه الظاهرة رصدت سيدتي أراء بعض الأهالي للتعرف على أسبابهم ودوافعهم لتعليم أطفالهم الإنجليزية والتركيز عليها أكثر على حساب اللغة العربية، فتفاوتت آرائهم وتنوعت.
لغتنا تحفظ هويتنا
المهندس جمال سالم أب لطفلين قال إن اللغة الإنجليزية لغة العصر، ومن المهارات والمعارف الأساسية التي لا بد أن يمتلكها الشخص في حياته العلمية والمهنية والوظيفية، كما أن تعلمها بحد ذاته لا يكفي بل يجب أن يتقنها الشخص تحدثا وكتابة لأننا أصبحنا نرى أن معظم العلوم والمعارف وحتى التكنولوجيا والوظائف تتبنى اللغة الإنجليزية كلغة أساسية ثابتة عالميا. لكن وبالرغم من ذلك تبقى اللغة العربية لغتنا الأم التي نعتز بها ولا يمكن أن نتخلى عنها، وأهتم أن يتقن أبنائي اللغة العربية ويفهموا معانيها ويقرأوها بشكل صحيح، مع التركيز على اللغة الإنجليزية أيضا وتعلمها بشكل جيد، حتى تكون كل سبل التعلم والتثقيف متاحة أمامهم، خاصة إذا كانوا يرغبون في إكمال دراستهم الجامعية خارج المملكة.
الإنكليزية لغة العصر
أم عبد العزيز، أم لأربعة أطفال، اعترفت صراحة أنها تهتم بتعليم أبنائها منذ الصغر اللغة الإنجليزية، وقالت: أشعر أن إتقان أطفالي للإنكليزية إنجاز حققته بهم، لأن قناعتي بأن اللغة الإنجليزية باتت لغة العصر وبدونها يصبح تصنيف المرء من الجاهلين أو الأميين وغير المثقفين، تماما كبداية دخول الكمبيوتر إلى المملكة وكيف تضاربت الآراء حول أهميته مستقبلا، وأنا أرى أن مستقبل أطفالي هو في اتقانهم اللغة الإنجليزية، ومن واقع تجربتي الشخصية كانت اللغة الإنجليزية في بدايتي المهنية عائق لدي في كثير من الوظائف التي كانت متاحة أمامي، ولا أريد أن يواجه أطفالي نفس الصعوبات، والحل يكمن في تعليمهم اللغة الإنجليزية، حتى لو كان ذلك على حساب اللغة العربية، وها أنا أتقن اللغة العربية ولكنني لم أستفد منها شخصيا على المستوى الوظيفي أو المهني.
لا تلومونا
إبراهيم الشريف أب لطفلة واحدة أكد لـ "سيدتي": لا بد أن نعترف أن عدم تعلم اللغة الإنجليزية تحدثا وكتابة عائق كبير أمام الشخص في مختلف مناحي الحياة، فالوظائف والمدارس أصبحت إنجليزية والجامعات وحتى المطاعم والفنادق والمحلات، أينما توجهنا نرى الأجانب الذين يتحدثون معنا باللغة الإنجليزية في دولتنا العربية، فكيف لا نتعلم اللغة الإنجليزية ونتقنها، وأي شخص لا يتحدث الإنجليزية يعاني في كل مكان، ويتعرض لكثير من المواقف المحرجة، لذلك لا تلوموننا في تنشئة أبنائنا على اللغة الإنجليزية منذ الصغر، وهذا ماأنوي فعله مع ابنتي، وبرأيي الشخصي إن تعلم اللغة الإنجليزية ليست ظاهرة بقدر ما هي ضرورة ملحة ومهمة.
مجاراة العصر
سماح الغامدي أم لطفلين ترى أن اللغة الإنجليزية مهمة جدا حتى لو على حساب اللغة العربية فقالت: نحن نضطر إلى تعليم أبنائنا اللغة الإنجليزية بكل إتقان ومنذ الصغر حتى يستطيعون مواكبه التطور والتكنولوجيا، ومهما حاولنا تعليمهم اللغة العربية إلا أنهم يميلون إلى تعلم الإنجليزية أكثر مجاراة لأصدقائهم وزملائهم، كما أن المدارس الأجنبية التي يرتادونها تقلل من أهمية اللغة العربية وتركز على اللغة الإنجليزية بشكل كبير، حتى بات أطفالي يكرهون حصص العربي في المدرسة، وأصبحوا يتحدثون اللغة الإنجليزية حتى في المنزل، وهذا ما جعلني أجاريهم بذلك، وأشعر أنهم لو لم يتعلموا الإنجليزية سوف يعانون مستقبلا في حياتهم المهنية وحتى الإجتماعية.
تهديد لغة القرآن
عبدالله الكابلي مدرس حكومي كان له رأي صريح حول ظاهرة اللغة الإنجليزية عبر عنه قائلاً: في السابق كان تعلم اللغة الإنجليزية ضرورة من أجل التعليم والحصول على الشهادات من الدول الأجنبية وخاصة في دراسة الماجستير والدكتوراه، وبعد ذلك أصبحت اللغة الإنجليزية مهمة للحصول على الوظائف، وشيئا فشيئا أصبحت اللغة الإنجليزية ضرورة من ضرورات الحياة في المملكة، ومن هنا بدأت المشكلة حيث عمد الكثير من الأهالي إلى إلحاق أبنائهم في المدارس الأجنبية والتركيز على اللغة الإنجليزية دون اللغة العربية، وأتساءل هنا كيف سيتواصل أبنائنا مع من حولهم بلغه أجنبية؟ وكيف سيقرؤون القرآن والكتب الدينية الإسلامية؟
وتابع: في الدول الأجنبية يتعلمون اللغات الأخرى حتى يطلعون على معارفهم وعلومهم ويأخذون المفيد منها، ولا يتركون لغتهم الأصلية أبدا التي هي عنوان ثقافتهم وعرقهم وإنتمائهم، على عكس ما يحدث في دولنا العربية فنحن نلغي أنفسنا عندما نترك لغتنا العربية لنتحدث لغة أجنبية مع أطفالنا حتى داخل المنزل ووسط أسرتنا!!