من العلل التي عانى منها المجتمع الإسلامي وغير الإسلامي، ولا يزال العالم بأسره يعاني منه، داء المخدرات، ذلك الداء العضال، الذي أضر بالأبدان وأتلف الأموال وجر على الأسر والأفراد الدمار والضياع. للوقوف على مخاطر هذا الداء العضال. التقينا د. سليمان بن عبد الرحمن الحقيل «أستاذ التربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والمفكر الإسلامي المعروف وكان هذا اللقاء:
ما الجهات التي تقف وراء انتشار المخدرات؟ وما أهدافها؟
نشرت منظمة الصحة العالمية في نيويورك أن عدد مدمني المخدرات في العالم يبلغ حاليا 50 مليون شخص منهم 30 مليون يدخنون الحشيش.
كيف حققت المخدرات هذا الرصيد الضخم من الانتشار؟ وقوانين العالم كله تحرمه..؟ وحكوماته تقف له بالمرصاد، حتى حكومات الدول التي تنتشر فيها زراعة أشجار الحشيش والأفيون.. إنها عملية التهريب.. ويشترك المهربون دائما في تنظيمات عصابية ونادرا ما يقوم شخص بالتهريب لحسابه فإذا نجح كون عصابة صغيرة تنضم إلى العصابات المنظمة التي تحتكر العمل وتقتسم مناطق النفوذ وأهم سمات عصابات التهريب الدولية ما يلي:
1 ـ التنظيم:
وهي عصابات منظمة على نحو نادر استفادت من معطيات الحضارة وتقدم علوم الإدارة. ويعمل لحسابها من ذوي الخبرات في مجال الاستشارات القانونية والخدمات الفنية والتكنولوجية وعادة ما يكون لهذه العصابات مركز رئيسي في دولة الإنتاج ومراكز فرعية في دول العبور والاستهلاك. لذا تضم بين أفرادها أعضاء ينتمون إلى جنسيات دول الإنتاج والعبور والاستهلاك وتتعاون هذه العصابات مع بعضها البعض في المعدات والإخباريات وتكملة صفقات مطلوبة، حتى أنه في الآونة الأخيرة أصبحت هناك صلات وثيقة بين عصابات المافيا التي تتولى تهريب الهروين وعصابات تهريب الكوكايين بالأميركيتين.
2 ـ العنف:
تتسم هذه العصابات بالشراسة ولا تسمح لأحد من أفرادها بالانفصال عنها وتنكل به وبأسرته وتعامل بالأسلوب نفسه كل من تتصور أنه يعاديها.
3 ـ القوة ومقاومة السلطات:
سيطرت عصابات التهريب في بعض الدول على مناطق لزراعة المخدرات. وعندما حاولت دولة مثل كولومبيا الحد من نشاط هذه العصابات اغتيل وزير العدل حتى يثبتوا أنهم أقوى من الحكومة ـ فهي مزودة بأقوى الأسلحة.
4 ـ الثراء الفاحش والدهاء:
بلغت أرباح العصابات أرقاما فلكية تستخدم في تسهيل العمليات الإجرامية وشراء الذمم، ومع ذلك فهي لا تقدم على عملية إلا بعد الدراسة لجميع الاحتمالات وتقليل المخاطر. وحتى تكون على علم بتحركات الأجهزة الأمنية تدس بعض رجالها للعمل كمرشدين لهذه الأجهزة لتتمكن من تضليلها.
وقد استخدم المهربون دهاءهم في فتح أسواق جديدة للمخدرات. فقد كشفت السلطات في أفغانستان عن حالات مؤكدة لمهربين يقومون بتوزيع الهيروين مجانا، خاصة في مناطق الحدود حتى يستشري داء الإدمان عليه.
أساليب ووسائل العصابات
ما الأسلوب التي انتهجته هذه العصابات في التهريب؟ وما وسائل ذلك؟
يتوقف أسلوب التهريب ووسيلته على كمية المخدرات والطريق الذي سيسلكه المخدر، ويفضل المهربون استخدام الطريق البحري لنقل الكميات الضخمة من المخدرات، نظرا لأن احتمالات الضبط فيه أقل من الطريقين البري والجوي، فمناطق أعالي البحارلا تخضع لسيادة أي دولة من الدول، فهذا المجال مفتوح للجميع والاتفاقية الجديدة لقانون البحار وإن كانت قد نصت في المادة (108) منها على أن تتعاون جميع الدول في منع تهريب المخدرات بواسطة السفن في أعالي البحار إلا أن الاتفاقية لم تحدد الكيفية أو الوسيلة. وعادة ما تقابل الزوارق الصغيرة السفن الكبيرة في عرض البحر وتنقل منها المخدرات إلى الدولة الهدف أو تستخدم الطائرات الهليكوبتر بدلا من الزوارق، وقد تستخدم وسائل النقل المشروعة أو السيارات الضخمة، كما يتم نقل الكميات المتوسطة مع المسافرين في الطائرات. وفي بعض الأحيان يستخدم المهربون في نقل المخدرات أشخاصا يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية أو البرلمانية أو مراكز وظيفية حساسة مثل ضباط الشرطة والجيش ورجال الجمارك.
الإستعمار والمخدرات
الاستعمار ساهم إسهاما بالغا في ترويج المخدرات ونشرها هل لفضيلتكم وقفة حول الاستعمار وحرب المخدرات؟
أثار البحث الذي قدمته الدكتورة (بياتريس بلوبيري) السويدية الجنسية أمام المؤتمر الدولي للمرأة، الذي عقد في نيروبي صيف 1982 ضجة كبيرة، فقد كان يدور حول ظاهرة انتشار المخدرات بين شباب الدول النامية ويؤكد ارتباط هذه الظاهرة بأسباب سياسية تهدف إلى تدمير الشعوب الصغيرة حتى تظل تحت سيطرة الدول الاستعمارية.
تقول الباحثة إن هناك (مافيا) عالمية تقوم بتهريب هذه السموم القاتلة إلى شباب الدول النامية وهذه المافيا تخضع لمخططات استعمارية هدفها الأول والأخير تدمير الشباب في الدول الصغيرة، حتى تظل دائما تحت سيطرة الدول الكبرى. وهذه الحرب شديدة الخطورة لأنها تؤدي إلى تحطيم الإنسان، الذي يعتبر أهم وأغلى ثروة في أي مجتمع من المجتمعات.
والمخدرات تعتبر من أمضى الأسلحة التي يستخدمها الاستعمار لغزو الأمم قبل غزوها عسكريا، وقد خططت الدول الاستعمارية استراتيجيتها بأن تغرق شعوب الأمم التي تريد استعمارها واستنزاف مواردها بجميع أنواع المخدرات وتشجيع شبابها على الإدمان فيكون الطريق أمامها ممهدا لسقوط هذه الأمم. وتاريخ الاستعمار شاهد على هذه الحقيقة. فقد نظم الاستعمار الإنجليزي حربا ضروسا ضد الصين سميت في التاريخ بحرب الأفيون، كما استخدمت اليابان نفس السلاح عند احتلالها للصين قبل الحرب العالمية الثانية. ولعبت بريطانيا دورا خطيرا في إغراق مصر بالمخدرات، وشجعت دولة الأئمة في اليمن على نشر القات بين جميع طبقات الشعب ككل وكانت الطائرات البريطانية تنقل القات يوميا لدول الخليج العربي المجاورة. وأدخل الأسبان الحشيش إلى شيلي والبرازيل وجلبه الهولنديون إلى جنوب أفريقيا وكانوا يبيعونه للأهالي هناك.
ولولا أن الأصوات الشريفة بدأت ترتفع في البرلمان البريطاني، لأن المعركة كما قالوا لا تقوم على أسس أخلاقية وهي معركة غير شريفة لأن سلاحها الأفيون وتزايد هذا التيار حتى انتصر حين تقرر في عام 1913 منع تصدير الأفيون إلى الصين.
وبعد هذا النموذج من حروب المخدرات نسوق تجربة مصر مع الاستعمار فتاريخ تسرب المخدرات إلى مصر مرتبط بتاريخ الاستعمار دائما. فقد سار تجار المخدرات المصريون في فلك أصحاب الامتيازات الأجنبية من الأوروبيين الأفاقين الذين استغلوا هذه الامتيازات في الإثراء عن طريق تجارة المخدرات. بل سعى بعض تجار المخدرات المصريين إلى التجنس بجنسيات الدول الأجنبية صاحبة الامتيازات ولجأ بعض الأجانب إلى تأجير أسمائهم للتجار المصريين ليقاسموهم مكاسب التجارة الخبيثة. يقول اللورد كرومر في تقريره عن الحالة العامة في مصر سنة 1905 أن ما يبذله رجال الشرطة من جهد في مجال مقاومة المخدرات بدون جدوى نتيجة احتماء الأجانب بامتيازاتهم.
واستمرت جناية الاستعمار ورعاياه على الشعب المصري بجلبه للمخدرات وترويجها بين أبناء الشعب، خاصة شبابه، بل عمل الاستعمار الإنجليزي على ترويج المخدرات البيضاء بين الشباب المصري بقصد امتصاص طاقاتهم الثورية.
إسرائيل وسلاح المخدرات
أ.د سليمان ماذا عن إسرائيل وحرب المخدرات؟
سلكت إسرائيل نفس المسلك، الذي سلكه الاستعمار، حيث لم يترك مصر إلا وقد انتشر الإدمان فيها والاستعمار الفرنسي أيضا سلك نفس السلوك في لبنان وجعلها مزرعة كبرى للحشيش. وإسرائيل ليست مهمتها قهر العرب قتاليا في الميدان فقط، بل التدمير الكامل من أجل أهدافها التوسعية والاستيطانية ـ فزرعت القنب في فلسطين المحتلة وهربته إلى الدول العربية، ولما بدأت الزراعة تفشل جعلت من نفسها معبرا للمخدرات إلى حدود مصر الشرقية، حيث تقدم المعونة للمهربين بكل صورها وفتحت أبوابها لهم، ومعبرا للحشيش اللبناني والأفيون التركي وأذنت للمخدرات بالمرور في أراضيها، بل ونقلتها في سيارات الجيش الإسرائيلي من أقصى حدودها الشمالية إلى حدود مصر، وحين تفعل ذلك إنما تعتبر أن الجيش يؤدي معركة مهمة من أجل تحقيق إحدى الخطط الحربية اللازمة والضرورية.
ووجدت من سفلة المهربين الاستعداد للتجسس على أوطانهم وخيانتها وحققت إسرائيل بالمنطق الصهيوني أرباحا ضخمة تنفق منها على الجاسوسية والحق أن المال هو مال الشعب العربي ينفق على تدميره.
ما هي أساليب الاستعمار في نشر المخدرات؟
الأساليب متعددة منها:
1 ـ نشر المخدرات بطرق مباشرة.
2 ـ خلق ظروف تساعد على نشر المخدرات مثل الوقوف ضد محاولات إصلاح المجتمع وتنميته اجتماعيا واقتصاديا.
3 ـ خلق الأزمات الاقتصادية والبطالة التي تساعد على إسقاط الرجال في الإدمان ثم الاتجار ثم التهرب ثم الجاسوسية والخيانة العظمى.
4 ـ المساعدة المباشرة في نقل المخدرات. فقد كان الإنجليز ينقلون القات يوميا من الصومال وأثيوبيا إلى الإمارات العربية في الخليج ضمانا لوصوله طازجا.
5 ـ استهداف الشباب في حرب السموم.
دوافع الإدمان
ما الأسباب والعوامل التي تغري الإنسان بتعاطي المخدرات؟
ـ تعددت اجتهادات الباحثين المختصين في تحديد الأسباب التي تؤدي إلى تعاطي الخمر والمخدرات ومن الصعب حصر وجهات النظر حول هذا الموضوع واستقصاء الأسباب. لذا سوف نكتفي بعرض آراء الباحثين في الأسباب الحقيقية لتعاطي المخدرات.
وقد ذكر أحد الباحثين أن الأسباب التي تؤدي عموما لتعاطي المخدرات هي:
1 ـ رغبة الشخص في التعرف على آثار الإدمان.
2 ـ مجاراة الأصدقاء والرغبة في الانتماء إليهم.
3 ـ سهولة الحصول على المخدرات.
4 ـ الثقل الاجتماعي.
5 ـ تأثير الإعلان، فقد يكون للإعلان غير الموجه في وسائل الإعلام عن بعض العقاقير، أثره على الحالة النفسية وجذب الأنظار لها كعقاقير طبية سببا في تعاطي الكثير منها، وبالتالي الإدمان عليها.
6 ـ تأثير المواد المخدرة على العملية الجنسية، حيث يعتقد معظم من يتعاطون تلك المواد وبصفة خاصة متعاطي الحشيش بأن تلك المواد تساعد بهذا الخصوص.
7 ـ الظروف الاقتصادية السيئة. كالبطالة والأزمات الاقتصادية والغلاء وغير ذلك من الظروف السيئة التي تدفع بالشخص لتعاطي المخدرات هربا من الواقع.
في ظل آية
قال تعالى: {يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد }.. هذه الآية أصل في محاسبة النفس، لأن التقوى معناها أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، وذلك بفعل الأوامر والواجبات الشرعية من صلاة وصيام وحج وغيرها من الواجبات، كبر الوالدين وصلة الأرحام وبالمقابل أن تحذر مما نهى الله عنه من المحرمات، التي رأسها الشرك بالله عز وجل وما يعقبه من المحرمات كأكل الربا والزنا وأكل مال اليتيم والسرقة والرشوة والاختلاس والغيبة والنميمة وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام، فكل هذه محرمات ينبغي للمسلم الحذر منها فإذا فعلت الواجبات الشرعية وأتممت ذلك بفعل المستحبات واجتنبت المحرمات وحرصت على ترك المكروهات، التي قد تصل بالعبد إلى المحرمات فقد حققت التقوى، وهذا لا يتسنى للعبد إلا إذا أكثر من المحاسبة لنفسه وحبسها على ذلك، ولذلك أقسم الله بالنفس اللوامة {لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة} وهي نفس المسلم التي تحاسب صاحبها، تراه دائما يلوم نفسه ويتهمها بالتقصير في حق الله ولذلك أكرم الله هذه النفس.
من هدي النبوة
عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى، صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم». قال: فقرأها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثلاث مرات، قال أبو ذر: خابوا وخسروا. من هم يا رسول الله؟ قال: «المُسْبلُ، والمنّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب». رواه مسلم.
في هذا الحديث وعيد شديد لثلاثة أصناف من الناس، الأول: المسبل وهو الذي يطيل ثوبه وازاره حتى ينزل عن الكعبين وهذا مظنة الخيلاء والكبر.
الثاني: المنان وهو ذلك الرجل الذي يتصدق بالصدقة ثم يجلس يمن بها على من تصدق بها عليه. يقول: أعطيك كذا وعملت لك كذا. والله سبحانه نهانا أن نتبع صدقاتنا بالمن والأذى.
الثالث: المنفق سلعته بالحلف الكاذب، تراه دائما لا يبيع سلعته إلا قرن البيع بالحلف الكاذب ليروجها للناس، سواء حلف بقيمة شرائها وبما دخلت عليه به وهو كاذب، أو حلف على نوعها وماركتها وصناعتها ونحو ذلك وهو كاذب فيما ذكر، فمن اتصف بهذه الصفات فهو متوعد على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل لا يكلمه ولا يزكيه أي لا يطهره ولا ينظر إليه يوم القيامة، وله عذاب أليم لما لهذه الصفات الثلاث من أثر سيئ سواء في نشوء الكبر والبطر أو المنّ بالعطية والصدقة أو ترويج السلع بالكذب وخداع الناس.