أحيانا أسائل نفسي: من الذي علمني أن أكون أمًا أنا وغيري من الأمهات؟ تعلمتها من أمي أطال الله عمرها، ثم من خبرتي مع ابني الأول يوسف، أو بمعنى آخر، بالتجربة والخطأ، وما تعلمته من أمي أنا لا يكفي، فأنا كنت بنتًا، وأشعر أن الفرق بين دور الأم تجاه ابنتها، يختلف كل الاختلاف عن دور الأم تجاه ابنها، ثم مع كل تقديري وامتناني لِما قدّمته أمي لي من معروف، لم أسألها يومًا: من أين تعلمته هي؟ وكيف أضمن أنه الشيء المثالي الذي ينبغي عليَّ أن أكرره؟ فالزمن يتغير ويأتي بجديد كل يوم.
وحتى الابن الأول، فهو يدخل في كل يوم من أيام حياته، مرحلة جديدة من مراحل عمره، أشعر معها بأني أواجه تحديًا جديدًا، من الأم التي تعلمت كيف تكون أمًا؟
أشفق على صديقاتي اللاتي يصغرنني سنًا، ولم يتزوجن بعد، أو لم ينجبن، أو لم يبدأن بعد مراحل تربية الأبناء، أمامهن مهام صعبة، وللأسف نواجهها دون تأهيل كافٍ، اللهم إلا الفطرة التي فطر الله عليها كل أنثى، ثم خبرات في الذاكرة مما فعلته معنا أمهاتنا حين كنا صغارًا! لكننا كنَّا بنات هادئات طيبات، أو على الأقل هكذا نزعم، لم نكن أبدًا مثل هؤلاء الأولاد العفاريت!
مهمة الأم التي تصحب ابنًا أو عددًا من الأبناء، سباحة في بحر هادر الأمواج، حتى تصل بهم إلى بر الأمان في هذا الزمان مهمة صعبة، هي مهمة دقيقة كذلك، تحتاج إلى التوازن والاعتدال بين مطالب تبدو متعارضة أحيانًا، وكل مرحلة من مراحل الطفولة، عالم قائم بذاته، تشعرين حين ينتقل أولادك من مرحلة عمرية إلى التي تليها، بأنكِ قد دلفتِ بصحبتهم إلى عالم مثير مليء بالمفاجآت.
شغلني أنا وصديقتيَّ يمنى وميسا، كيف يمكن لأبنائنا أن يخرجوا من مرحلة الطفولة، وقد تكونت لهم شخصيات قادرة على اكتساب احترام الآخرين؟ وهذه واحدة من أهداف كثيرة ينبغي على الأم أن تسعى لغرزها في الأبناء.
كيف يمكن للأبناء أن يُنشّأوا على صفتين، يبدو للوهلة الأولى أنهما متعارضتان، بينما هما في الحقيقة معًا لازمتان جدًا، هاتان الصفتان هما التواضع وتقدير الذات، تقدير الذات ليس غرورًا ولا إعجابًا بالنفس، كما أنه ليس تطاولاً على الآخرين، ولكنه احترام للنفس، وثقة بقدراتها.
توصّلت أنا والصديقتان، إلى عدد من الممنوعات التي ينبغي ألاّ نقع فيها، أول هذه الممنوعات الامتناع الدائم عن مقارنة ابنك بغيره، لا تقولي له: لماذا لا تكون مثل فلان؟ فهو متفوق في دراسته، أو يسمع كلام أمه أو غير ذلك، فلن تحقق هذه المقارنة خيرًا.
كثير من الأمهات يقعن في خطأ التوجيه من خلال ملاحظة النقائص والتعليق المتكرر عليها، ويعتقدن أن هذا هو تمام التربية، ويفرحن حين يُقلع الولد عن هذه النقيصة، ويشعرن بأن هدفًا قد تحقق، وقد يكون هذا صحيحًا، لكن شعور الابن بأن والدته تتخصص في ملاحظة نقائصه وعيوبه، وأنها لا تعطيه ما يستحق من تقدير وثناء على ما يقدمه من أشياء طيبة، أمر قد يصيبه بالإحباط، وبدلاً من ذلك، يستحسن أن نجهد أنفسنا في البحث عن أي عمل جيد يقوم به، ونعطيه ما يستحقه من تقدير وثناء.
لا يجوز أن تنعتيه بأسماء أو صفات سلبية تستقر في ذاكرته ويصدقها عن نفسه.
لا تعممي في ملاحظاتك، مثل أن تقولي له: «أنت دائمًا تتكلم قبل أن تفكر»، ابحثي عن مناسبة لتوجهي له المدح، فالأبناء يدركون أن أمهاتهم يتعقبن النقائص، ولكم ستكون سعادتهم وفرحتهم، حين تجدين شيئًا يستحقون عليه الشكر والتقدير.