إثر قرار منظمة الصحة العالمية بجعل مرض انفلونزا الخنازير وباء عالميا، وتوقف الدراسة في الكثير من المدارس لمنع التجمعات وانتشار المرض، تساءل كثيرون: هل يجوز التخلف عن صلاة الجمعة لتفادي المرض؟ وكيف نتعامل مع موسمي الحج والعمرة وهما يقتربان بينما الإصابات بالمرض تنتشر حول العالم بسرعة هائلة؟
"سيدتي" تستطلع رأي العلماء حول الفتاوى التي تقول بجواز التخلف عن صلاة الجمعة وأن يؤجل الإنسان فريضتي الحج والعمرة حتى زوال الخطر من انفلونزا الخنازير.
يقول فضيلة الدكتور عبد الفتاح إدريس رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر: من الأعذار التي ترخص التخلف عن الجمعة والجماعات خوف انتقال المرض من المريض إلى الصحيح عن طريق المخالطة في دور العبادة، قياسا على منع دخول المسجد لمن أكل ثوما أو بصلا أو شيئا له رائحة كريهة، أو كان يمتهن مهنة يترتب عليها تلوث ثيابه بالقاذورات، أو الأشياء ذات الروائح الكريهة التي يتأذى منها الناس في المساجد؛ ولهذا فإن هؤلاء يرخص لهم في ترك الجمعة والجماعات، ويعذرون بتركها حتى لا يتأذى الناس من وجودهم. ومن ثم فإن الأمراض التي تنتقل بالعدوى عن طريق مخالطة المريض للصحيح في دور العبادة ترخص في ترك الجمع والجماعات أيضا؛ حتى لا يرتب على اجتماع الناس في هذه الدور انتقال الأمراض المعدية من المرضى بها إلى الأصحاء، إذا كانت هذه الأمراض لا يمكن التوقي منها، ولا يوجد علاج ناجع لها، وكانت تنتقل بين الناس عن طريق استنشاق الهواء في الموضع الذي يوجد فيه المرضى، أو عن طريق الاقتراب من المرضى بها.
والمرض الذي يعد وباء عاما يرخص في ترك الجمع والجماعات، ومن حق ولي الأمر، باعتباره يقوم على حفظ مصالح الرعية أن يمنع ازدحام الناس بالأماكن التي ليس فيها تهوية مناسبة، والتي يخشى أن ينتقل المرض فيها من المريض إلى الصحيح، إذا كان من شأن هذا المرض أن ينتقل بينهما بالمخالطة الاعتيادية، سواء أكان هذا في دور العبادة، أو في المصالح الحكومية، أو في وسائل النقل، أو نحو ذلك من أماكن يتحقق فيها هذا الاجتماع.
ويقول الأستاذ الدكتور سعد هلال –أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر:عندما يصبح الأمر وباء عاما وخطرا محدقا يجوز التخلف عن حضور الجمعة والجماعات، وهناك من ذهب إلى القول إلى عدم التخلف عن الجمعة والجماعات حتى مع وجود وباء حقيقي وذلك لأن المسلم بوسعه أن يؤدي الجمعة مع أهل بيته أو مع زملائه في مكان عمله، وليس بالضرورة أن يؤدي الجمعة حينئذ في المسجد. إعلان منظمة الصحة العالمية يستوجب علينا أخذ الحيطة وأسباب السلامة، وليس ترك الجمعة والجماعات، إلا إذا صار هذا الوباء محدقا، أما قبل الوصول إلى هذه المرحلة فلا يجوز التخلف عن صلاة الجمعة والجماعات، وعلى الملتزمين بالجمعة والجماعات أخذ الحيطة كترك المصافحة أو يمتنعون تماما عن التقبيل في الوجه، ويمتنعون عن أسباب تناقل العدوى، بحيث من يعلمون أن فيه بعض الأعراض فعليهم أن ينصحوه بالتوجه إلى أقرب مصحة أو أن يعرض نفسه على أقرب طبيب، ولا يصير بحال إلى قطيعة الجمعة والجماعات، وتبقى فكرة قطيعة الجمعة والجماعات محل ورود في حال الخطر المحدق الذي يصير فيه الوباء حقيقة بين الناس، وبفضل الله لم يصل العالم إلى هذه المرحلة.
الحج والعمرة
فيما يخص الحج والعمرة فقدأفتى الشيخ على أبو الحسن، رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر الشريف، بجواز أن يؤجل الإنسان الحج والعمرة هذا العام؛ تحسبا لانتشار وباء أنفلونزا الطيور والخنازير بين حجاج بيت الله الحرام الذين يصلون من كل بقاع الأرض لتأدية فريضة الحج أو العمرة.
وقد وجدت هذه الفتوى صدى بين علماء المسلمين، فمنهم من أجازها، ومنهم من عارضها. فما هو دليل كل منهم؟
لا يجوز
الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أكد أنه لا يصح تأجيل الحج خشية انتشار مرض أنفلونزا الطيور أو الخنازير إذ إنه في حكم المظنون، ولا يمنع الواجب لظن، ولكن من الواجب منع المصابين من الحج، واتخاذ الاحتياطات الواجبة لمنع انتشاره.
تركها واجب
د.محمد رأفت عثمان، أستاذ فلسفة العقيدة وعضو مجمع البحوث الإسلامية، يرى وجوب تأجيل فريضة العمرة أو الحج لهذا العام نظرا للمخاطر المحيطة بالعالم هذه الأيام، وتحذيرات منظمة الصحة العالمية وجميع الأطباء على الحد من التجمعات والزحام؛ خوفا من انتشار هذا المرض، والذي أصيب به الآلاف على مستوى العالم.
أضاف أن هناك قاعدتين شرعيتين لتدعيم هذا الرأي، الأولى أنه من أحكام الإسلام الحرص على حفظ حياة الإنسان مصونة عن كل الأضرار التي من الممكن أن تلحقه سواء أكانت بدنية أو نفسية، والحديث الشريف يؤكد هذه القاعدة في قول الرسول –صلى الله عليه وسلم- «لا ضرر ولا ضرار» وقوله تعالى : «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة»
والقاعدة الثانية كما يوضح د.رأفت عثمان ترتكز على التيسير في الأحكام والذي هو أساس من أسس الشريعة الإسلامية، وقد بينت ذلك الأحاديث ونصوص القرآن الكريم، ففي القرآن نجد قوله تعالى: «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر».
ومن أقوال الرسول –صلى الله عليه وسلم- «يسروا ولا تعسروا».
ويوضح د.رأفت عثمان أنه إذا تأكد الضرر، وكان انتشار الوباء أمرا يغلب الظن بحدوثه فإن الأمر ينتقل من مرحلة جواز ترك الحج، والعمرة إلى مرحلة الوجوب.
لا سند له في الشريعة
الدكتورة عبلة الكحلاوي، أستاذة الدراسات الاسلامية جامعة الازهر تقول: إن الحج فريضة من فرائض الله تعالى على عباده المؤمنين أوجبها على القادر، فمتى توافرت القدرة وجب الحج لقوله تعالى: «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا»، وهي صيغة إيجاب وإلزام، وذلك دليل الفرضية بل يؤكد القرآن الفرضية بقول الله تعالى: «ومن كفر فإن الله غني عن العالمين» فجعل الكفر مقابل الرفض، فدل على أن ترك الحج ليس من شأن المسلمين، ودعا النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى أدائه، وجعل التعجل فيه أولى من التأخير.
فعن النبي –صلى الله عليه وسلم-: «تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له»، وأيضا «من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض وتضل الراحلة وتعرض الحاجة».
وترى د. عبلة أن الدعوة إلى تأجيل الحج هذا العام خشية انتشار مرض أنفلونزا الخنازير أو الطيور لا سند له من الشرع، فمنع الحج في موسم من المواسم لم يقل به فقيه واحد، ولم يتم على مر العصور التاريخية مع كثرة الأحداث التي مرت بها الأمة الإسلامية، وانتشار الأوبئة المتعددة.
ولهذا فإن الدعوة له تعطيل لشعيرة من شعائر الله، وهذا أمر منهي عنه شرعا من حيث الأصل استنادا إلى وجوب الحج وإجماع الأمة على عدم إيقافه في أي عام من الأعوام.
تدابير وقائية
ويقول بعض الباحثين: إذا كان الواجب على المسلمين أداء شعيرة الحج فواجب عليهم أيضا أن يدفعوا عنهم أذى هذا المرض من خلال اتخاذ التدابير الوقائية لمنع انتشار هذا المرض بين الناس وقد يكون هذا من خلال عمل اختبار تحليل للحجاج خاصة من الدول التي عرف عنها انتشار هذا المرض، فلا تعطى تأشيرة الحج من السفارات السعودية بأي دولة إلا بعد أن يتم عمل تحاليل للمتقدمين بل يمكن أن يصل الأمر إلى منع حجاج البلد الأصلي المنتشر فيه المرض من باب الوقاية، بناء على قوله –صلى الله عليه وسلم- «لا ضرر ولا ضرار»، كما أنه من الواجب الشرعي على كل من أصيب بهذا المرض أن يتداوى منه أولا، ولا يجوز له الذهاب إلى الحج هذا العام بناء على ما ذهب إليه بعض الفقهاء كالشافعي ومحمد بن الحسن -من الأحناف- بأن الحج واجب على التراخي فيمكن تأجيل الشخص المصاب بالمرض الحج لحين التعافي منه.
وقد فتح النبي –صلى الله عليه وسلم- مكة عام ثمان من الهجرة، ولم يحج إلا في العام العاشر فدل ذلك على جواز التأخير.
دعوة تقنين للمسافرين
د. نصر فريد واصل مفتي مصر السابق لديه رأي مختلف فهو يرى أن يتم تقنين الحج والعمرة هذا العام بحيث يخضع لضوابط إلزامية للجميع، فمن سبق له الحج والعمرة في أعوام سابقة فعليه تأجيل سفره هذا العام؛ حتى يقل العدد ويسمح معه الضبط من خلال القائمين على أمور الحجر الصحي سواء في السعودية أو في مصر.
ويضيف د.واصل : الأمر الثاني والأهم لهؤلاء الأفراد الذين يتوقون إلى القيام بمناسك العمرة والحج هذا العام أن يهبوا نفقات الحج والعمرة للمحتاجين، وأن يستعيضوا عن السفر بإكرام اليتيم أو تزويج محتاج أو علاج مريض أو المشاركة في تشكيل جمعية خيرية للمهمشين، وهم كثيرون في المجتمع.
وهذا الأمر سوف يساهم في تقنين أعداد المسافرين هذا العام، ومن ثمَّ يسهل السيطرة عليهم ومتابعتهم صحيا وجسديا خوفا من انتشار المرض بين الحجاج.