زينةُ الحياة


تلفتني دائماً تقارير تصدر عن هيئات علمية وأهلية تهتمّ بأحوال الأطفال.

وقد طالعتُ في الآونة الأخيرة دراستين؛ الأولى من ألمانيا، وتتناول شكاوى مواطنين ألمان يقيمون بجوار دورٍ لحضانة الأطفال. وقد بلغ بهم الأمر، في مدينة هامْبورغ) شمال ألمانيا ( أن ألزموا تلك الدور بأن تُقفل أبوابَها وتغادر المكان. أما السبب المعلن فهو الضجيج الذي يُحدثُه الأطفال في خلال لهوهم.

<<< 

ومن أطرف ما وصفتْ به مديرة إحدى دور الحضانة تميُّزَ دارِها عن سواها من الفسحات المخصصة للأطفال، في الهواء الطلق، أنها مسوّرة بجدار من الإسمنت، يبلغ ارتفاعُهُ مترين، وتُسمّيه «الجدار الكاتم للصوت». وقد تمَّ بناؤه في إثر حوارِ تسوية مع الجيران الذين كانت تزعجهم صيحات الأطفال.

والطريف في تلك الإتفاقية الموقّعة من قِبَل سكان الجوار، وإدارة تلك الحضانة، أنه
لا يحقّ للأطفال الحضور خلال عطلة الأسبوع، كما لا يحقُّ لدار الحضانة أن تستقبل أكثر من 55 طفلاً.

<<< 

وتعود أسبابُ ذلك الضيق بالأطفال إلى الحياةِ العصرية. ويبقى عدمُ الإنجاب، في معظم الأوقات، خياراً واعياً لدى المرأة الأوروبية المعاصرة، إذ لا يُمكنها التوفيق بين العائلة والمهنة، فتختار الثانية.

وقد ارتفعتْ نسبةُ النساء اللواتي يخترن عدم الإنجاب في خلال عشرين سنة من 12 إلى 21 بالمائة. وهناك عائلات تُصرّحُ علناً بأنها لا تحبّ الأطفال.

حتى ان وجود الأطفال، في بعض المناطق، يؤدّي إلى خفضِ أسعارِ العقارات. وهذا أمرٌ غريبٌ جداً في مفهومنا وتقاليدنا.

<<< 

أما الدراسةُ الثانية فكانت حول تعنيف الأطفال جسدياً، وقد أجرتْها جمعية «كفى عُنفاً واستغلالاً» وركّزتْ على أوضاع الأطفال في لبنان. وجاءت نسبةُ الأطفال الذين يَتعرّضون للعنف الجسدي 54 بالمائة. بينما بلغتْ نسبةُ من يتعرّضون للعنفِ المعنوي والنفسي 64 بالمائة. كما أن هناك 16 بالمائة يتعرّضون للتحرّش الجنسي.

<<< 

وتتولّى عمليةُ التوعية والإنقاذ مؤسسةُ غوث الأطفال السويدية، فتنشر الوعي بين الأهل والمربّين، عن كيفية احترام الطفل ومعرفة حقوقه.

<<< 

برغم تلك الدراسات ونتائجها، فإن مجتمعَنا لا يزال رحوماً، ويُرحّبُ بالطفل، من الوالدين إلى سائر أفراد العائلة.

كما أن الطفل في مجتمعنا، لا يزال يردُّ لكَ الإبتسامة إذا رحبتَ به بتحيّة صامتة، ولا يهربُ جزعاً، مثلما هربتْ تلك الطفلة ورفاقها عندما التقيتهم في خلال رياضتي الصباحية.

<<< 

حدث ذلك في كندا؛ وكنت أقوم بزيارة لأفراد عائلتي فيها؛ وعندما حدّثتهم عن هلع الأطفال من ابتسامة الغريبة، وفَرارهم مثل رفّ عصافير فاجأهُ قنّاص، راحوا يشرحون لي بالتفصيل كيف دخل ذلك الأسلوب في وعي الأطفال، من خلال الأهل والمربّين، حتى بات كلُّ غريبٍ عدواً يضمرُ لهم الشرّ، وأصبح الخوفُ من الغرباء ردّةَ فعل غريزية.

<<< 

وبالطبع هذه ليست حال الأطفال في مجتمعنا، وإن كان هناك أطفالٌ يُعانون من قَسوةٍ وسوء معاملة، وتأتي من الأهل في كثير من الأحيان.

<<< 

من واجب الكبار حماية الطفولة. وفي البلاد المتقدّمة في الرقيّ، تأخذُ الدولة زمامَ الشؤون التربوية في حالِ قصَّرَ الأهل، أو أساؤوا معاملةَ الطفل.

لكن العائلة، في مجتمعنا، لا تزال بخير. وهي الحضنُ الدافئ الأمين. وحتى لو غاب الوالدان، يجد الطفل مكاناً يحميه، في حمى العائلة الموسّعة، وخصوصاً لدى الجدّين.

<<< 

أما نظرية رفض الإنجاب، فهي غريبة على مجتمعنا، حيثُ تبدو الصورة معكوسة؛ إذ يؤدي عدمُ الإنجاب، في كثير من الأحوال، إلى الطلاق، وتفكّك الحياة العائلية.

والأطفال، مثلما هم أقوى الروابط التي تجمع الزوجين، فانهم يمثّلون الأمل باستمرار الحياة، كما هم زينتها في هذه الدنيا.