الصلب المشقوق: يصيب الجنين في أشهر الحمل الأولى

يعتبر الصلب المشقوق Spina bifida أو انشقاق العمود الفقري أحد عيوب الأنبوبة العصبية والإعتلالات الخلقية للجهاز العصبي والتي باتت منتشرة في الآونة الأخيرة، إذ تفيد إحصائية صادرة عن "منظمة الصحة العالمية" أن معدّل الإصابة يبلغ حالة واحدة تقريباً لكل 1000 ولادة في الولايات المتحدة الأميركية.

"سيدتي" تطّلع من الاستشاري في أمراض المخ والأعصاب في مستشفى الدكتور سليمان فقيه الطبي بجدة الدكتور أحمد حجازي على أهم أسباب حالات انشقاق العمود الفقري وأعراضها وطرق علاجها ووقاية الأجنّة من الإصابة بها.

 

"الصلب المشقوق" هو واحد من أكثر العيوب الخلقية المعقّدة شيوعاً والتي تؤثّر على تطوّر الجهاز العصبي للجنين. ينتج هذا المرض عن عدم قدرة الأنبوبة العصبية للجنين على الإنغلاق خلال الشهر الأول من الحمل أو في اليوم العشرين إلى الثامن والعشرين من بداية الحمل، ما يؤدّي إلى عدم انغلاق عظام الفقرات الظهرية وظهور فتحة في عظام العمود الفقري، ما يسبّب تلفاً في الحبل الشوكي للجنين وحدوث خلل بوظائف جهازه العصبي. كما قد يتسبّب هذا المرض في حدوث شلل واضطرابات وظيفية بأجهزة الجسم المختلفة بسبب انكشاف جزء من الحبل الشوكي للجنين. وتجدر الإشارة إلى أن الإصابة قد تحدث في أي جزء من أجزاء العمود الفقري، مسبّبة خروج أجزاء من الحبل الشوكي أو المكوّنات المحيطة به خارج جسد الجنين.

 

أسباب مسؤولة

ويظلّ السبب المسؤول عن هذا النوع من العيوب الخلقية مجهولاً حتى وقتنا الحاضر، إلا أن بعض العوامل تلعب دوراً هاماً في عدم اكتمال نموّ فقرة أو فقرات من العمود الفقري للجنين، وفق التالي:

- عوامل الوراثة: وفقاً لدراسة صادرة عن جامعة أكسفورد بالولايات المتحدة، لوحظ أن إمكانية تكرار الإصابة ترتفع أثناء الحمل في حال وجود طفل مصاب بالأسرة بنسبة 3 إلى 4%، بينما ترتفع النسبة في حال وجود طفلين مصابين في الأسرة عينها.

- عوامل بيئية: تشمل كثرة تعرّض الحامل للأشعة أو تناولها بعض العقاقير الطبية وخصوصاً مضادات التشنّج والكحوليات.

- عوامل غذائية: تتمثّل في النقص في "حمض الفوليك" الذي يعدّ السبب الرئيس حتى الآن فى إصابة الجنين بمرض الصلب المشقوق. وفي هذا الإطار، تثبت دراسة صادرة حديثاً عن المركز الطبي في جامعة ديوك الأميركية أن 50 إلى 70% من حالات عيوب الأنبوبة العصبية والصلب المشقوق يمكن منعها عبر تناول السيدات في مرحلة الخصوبة جرعات يوميّة من حمض الفوليك (الفيتامين ب)، فضلاً عن الأطعمة الغنيّة بحمض الفوليك كالخضر الورقية الداكنة كالسبانخ والبروكولي والفاكهة كالبرتقال والتفاح.

- عوامل مرضية: تشمل الإصابة بداء السكري والسمنة المفرطة أثناء الحمل، خصوصاً في صفوف السيدات اللواتي يهملن تنظيم نسبة السكر بالدم، فضلاً عن ارتفاع درجة حرارة الأم أثناء الأشهر الأولى من الحمل.

 

أعراضه...

ثمة أشكال عدّة للصلب المشقوق، يمكن إيجازها في ما يلي:

الصلب المشقوق المستتر Spina Bifida Occulta: يشكّل أبسط أنواع الصلب المشقوق، إذ غالباً لا تظهر على المصاب أيّة أعراض عصبية أو علامات إكلينيكية بسبب سلامة الأعصاب والحبل الشوكي. وتجهل غالبيّة الحالات إصابتها والتي يتمّ الكشف عنها مصادفةً أثناء إجراء أشعة تشخيصية لأي مرض آخر! كما يمكن الكشف عن الصلب المشقوق عبر خصلة من الشعر أو حفرة في الجلد في مكان الإصابة.

التورّم السحائي Meningocele: يعدّ أكثر خطورة من النوع المستتر، إذ يتم خروج الأغشية السحائية المحيطة بالحبل الشوكي خارج الفتحة الموجودة بفقرات الظهر في شكل كيس ماء. وفي هذه الحالة، يظلّ الحبل الشوكي في مكانه الطبيعي ما يمكّن الجرّاحين من إجراء جراحة لاستئصال هذا الكيس المتكوّن خارج جسم الطفل والذي يكون في معظم الحالات مغطّى بطبقة من الجلد، ما يقلّل من حدوث تلف بالحبل الشوكي أو الأعصاب المحيطة.

التورّم النخاعي السحائي Myelomeningocele: يعتبر من بين أكثر أنواع الصلب المشقوق خطورةً، إذ تظلّ قناة العمود الفقري، في هذه الحالة، مفتوحةً على امتداد فقرات عدّة. وتكون هذه الفتحة، غالباً في منتصف الظهر (الفقرات القطنية) أو أسفله (الفقرات العجزية)، ما يؤدّي إلى خروج الحبل الشوكي والأعصاب من مكانها إلى جانب الأغشية السحائية في شكل كيس، وغالباً ما يكون غير مغطّى بالجلد أو مغطّى بطبقة رقيقة منه.

ويفسّر الأطباء أسباب خطورة هذا النوع من الصلب المشقوق بأمرين، هما:

- سهولة تعرّض الحبل الشوكي والأعصاب للتلف، ما يؤدي إلى حدوث مضاعفات واضطرابات عصبية خطرة كفقدان القدرة على الحركة (شلل الأطراف) والتشنجات والاضطرابات في الجهازين البولي والهضمي.

- عدم تغطية الأنسجة العصبية يجعلها عرضة للإلتهابات والعدوى التي تهدّد حياة الطفل كالإلتهاب السحائي المميت. ويؤكّد الأطباء على اختلاف حدّة الإصابة وفقاً لمدى تأثّر العمود الفقري والجزء المكشوف من الأنسجة العصبية وموقعها ودرجة تأثّر الأعصاب المغذّية ومدى تغطية الجلد للمنطقة المصابة.

 

مضاعفات...

- مضاعفات في الجهازين الحركي والحسّي: تتمثّل في شلل كلّي أو جزئي بالأطراف، علماً أن الكثير من الأطفال المصابين بالصلب المشقوق يحتاجون إلى استخدام الأجهزة التعويضية كالجبيرة أو العكاز أو الكرسي المتحرّك، بالإضافة إلى حدوث فقدان حسّي بالمناطق التي تغذّيها الأعصاب المصابة كفقدان الإحساس باللمس أو عدم الشعور بالألم.

*الإستسقاء الدماغي Hydrocephalus: يعرف طبياً بتجمّع السائل النخاعي المحيط بالمخ الناتج عن وجود انسداد في طريق الدورة الدماغية للسائل. ويحتاج الأطفال المصابون عادةً بالإستسقاء الدماغي إلى الخضوع إلى قسطرة دماغية تكون عبارة عن أنبوب خاص يصل من الدماغ إلى البطن لإيجاد مخرج للسائل النخاعي. وتوضح إحصائية صادرة حديثاً عن جامعة هارفارد الطبية أن نسبة حدوث الإستسقاء الدماغي فى حالات التورّم النخاعي السحائي قد تصل إلى 90% من الحالات. ويظهر الإستسقاء الدماغي في صورة رأس ضخمة للجنين وضمور في عصب العين وقيء وضعف جلد الجمجمة الذي يكون خفيفاً بحيث يمكن مشاهدة الأوعية الدموية من خلاله وانحراف سواد العين إلى الأسفل.

- إلتهاب الأغشية السحائية بمخ الجنين Meningitis.

- اضطرابات في جهاز البول: تظهر في شكل المثانة العصبية وسلس البول وارتجاعه والتهابات متكرّرة بجهاز البول.

- اضطرابات في جهاز الهضم: تنتج هذه الاضطرابات عن تأثّر الأعصاب المتحكّمة بعضلات الأمعاء والتي تظهر في صورة عدم قدرة الطفل على التحكّم في البراز أو في سلس البراز.

- اضطرابات في النمو الفكري: تشمل الصعوبة في التعلّم والصعوبة في التركيز والمشكلات اللغوية والتأخر العقلي والإجتماعي.

مضاعفات أخرى كالحساسيّة لمادة المطّاط.

 

تشخيص الصلب المشقوق

يتم تشخيص الجنين المصاب قبل ولادته عن طريق:

- إعداد تحليل دم للحامل لتحديد نسبة "الألفافيتوبروتين"Alpha Fetoprotein  في الأسبوع السادس عشر من الحمل.

- استخدام الموجات فوق الصوتية للكشف عن الحالة، ولكن لا يمكن معرفة مقدار الإصابة ومدى تأثيرها العصبي إلى بعد ولادة الجنين.

- عمل "بزل" بسحب لعيّنات من السائل المحيط بالجنين Amniocentesis لتحديد نسبة "الألفا فيتوبروتين".

 

توصيات علاجية

ويعتمد التدخّل الطبّي على درجة وخطورة الحالة: ففي حالات الصلب المشقوق المستتر، لا يتمّ التدخل سوى عند وجود علامات مرضية أو أعراض، بينما تحتاج بقيّة الأنواع إلى التدخل الجراحي لغلق المنطقة المفتوحة من الظهر. ويفضّل إجراء الجراحة في أقرب وقت ممكن، وذلك تلافياً لحدوث أيّة مضاعفات في ما بعد.

ويراعى في علاج حالات الصلب المشقوق:

- متابعة الحالات المصابة، بصورة دورية.

- علاج الاضطرابات في جهازي البول والهضم، إن وجدت.

- علاج التأثيرات الحركية عبر استخدام وسائل العلاج الطبيعية.

- علاج الإستسقاء الدماغي، إن وجد.

- متابعة حالات التأخر الفكري.

- تقديم المساعدة النفسية والإجتماعية للوالدين.

 

هام للحامل... 

يعدّ تناول الأم لجرعات من "حمض الفوليك" من بين أفضل الطرق الوقائية التي ينصح بها الأطباء حتى الآن، إذ توصي "منظمة الصحة العالمية" بتناول جرعة (400 ميكروغرام) يومياً للسيدات في مرحلة الخصوبة وقبل الحمل.

وينصح الأطباء بتناول جرعات عالية من حمض الفوليك (5 ملليغرامات) في حال وجود أطفال مصابين في العائلة عينها أو معاناة الأم من داء السكري أو تناول الحامل عقاقير مضادة للتشنج، بدون إغفال أهميّة الأطعمة الغنية بحمض الفوليك (الخضروات الورقية والبروكولي والسبانخ والبازيلاء والبقوليات والفول السوداني).