عندما ترقص الأنثى

لا تأتي سيرة «نــجــد» على أساس انتمائي إلى هذه المنطقة، مع كل ما يشوب واقع نسائها من غموض متفق عليه، بل لأنها منطقة خلابة إلى جانب مزاياها وتاريخها العريق، تعتبر المكان الوحيد في العالم تقريبًا الذي لا يمكن رؤية المرأة فيه، ولا تتاح الإطلالة على عالمها في شكل عام، ما بالنا بما يتعلق برقص النجديات وأدائهن الخلاب وما يتم استعراضه غالبًا في المهرجانات التراثية والثقافية هو رقص الرجال، والذي يختلف جذريًا عن اللوحات التي تقدمها المرأة وتنهض الفتيات والنساء بتطويرها.

ما اشتهر من فنون الرقص النجدي حتى على مستوى شعبي هو «رقصة الفخر»، وما تسمى أحيانًا برقصة الحرب (العرضة النجدية التقليدية) إلا أن النساء يرقصن عليها مع إيقاعات وأهازيج تتغنى بأبرز فرسان ورجال القبيلة، انحسرت اليوم في الأعراس والمناسبات، لم يمنع ذلك من تطوير الرقصات، ولا يمكن اليوم أن ترقص أي فتاة مثل جدتها، هناك تحديث مستمر وتطعيم عصري لا يلغي الأصالة.

 أحيانًا العرضة النجدية تقدم في عالم النساء، لكنها فعليًا ليست رقصة الحرب عند المرأة، هي رقصة بمنتهى الأنوثة، ولا تستطيع الأنثى حمل السيف، تستعيض عن ذلك بالرقص بشعرها.. والنموذج الأقرب في هذا المجال من دول الخليج دولة الكويت الشقيقة؛ لكون غالبية من هاجر إليها من قبائل نجد. ولكن التشابه نسبي؛ نتيجة تأثر وامتزاج رقص الكويتيات برقص نساء السواحل، فيما تتميز النجديات بطابع خاص حافظ على خصائصه، وليس له مثيل، ولم ينجح أحد في اختراق تلك الأسوار وتصوير التجربة ونقلها.

 أوحى لي بالكتابة في هذا الموضوع افتقار تاريخ نجد إلى لوحات تراثية وفنية تخص المرأة، رغم الإبداع والزخم والتجربة التراكمية، إلا أن ارتباط مناسبات رقص النجديات واقتصاره على مناسبات الأعراس والأعياد الأسرية أو اجتماعات القبيلة والعشيرة والاستئناس بالرقص جعل منه فنًا خلابًا ومتواريًا وعصيًّا على التوثيق.

وفي تغطيات مهرجان الجنادرية الثقافي (26)، أتيحت فرصة التعبير عن ثقافة الفرح، واستعراض لوحات راقصة تمزج بين التراث والرقص المعاصر، وسط أجواء نسائية محكمة الحراسة، وحتى تحظى الزائرات بالخصوصية الكاملة. وهي خطوة مهمة خرجت من الحيز الخاص إلى الفضاء النسوي العام مع تطويقها وحمايتها.

في نـجـد عندما ترقص الأنثى فهذا يعني غالبًا «أن شعرًا طويلاً كثيفًا منسدلاً ومعبقًا برائحة البخور الفاخر يتماوج محاكيًا إيقاعات إعلان الفرح، في بيوت تربى فيها الفتيات على الاحتفاظ بجمال الطبيعة، ولا تعرف البشرة الغضة كل هذه المساحيق الاستهلاكية، ولا يعرف الشعر الأسود أنواع الصبغة والوصلات»، بما يعني أن أنثى الطبيعة هي السحر يطوق ليالي الأفراح النجدية.

السحر النجدي...!

ربما تستمد (نجد) سحرها والألق من كونها مهدًا للحضارات وموطن ومربى مشاهير العشاق والشعراء، منهم امرؤ القيس، وطرفة، وعنترة...