مرّ وقتٌ طويل، أطول من الفكرة التي لم تنتهِ بعد، وأنا مازلت أتلذذ بغربتي، الغربة التي حاولوا تشويهها، دبّ الرعب في سحرها؛ فأنا لم أرها كذلك، ولم أعش كل ذلك التخبط الذي قالوا عنه؛ حتى الوحشة التي قد أشعر بها في حينِ غرّة، لها وقع مثير، ومتواطئ جدًا مع فتنة الحياة.
إنه منتصف العام بالنسبةِ لي، لكنني مازلت أظن أنه البداية، هنا تولد كل الأمنيات ولا تموت، تداعبها كل يوم، تحتضنها، تطعمها، ثم تراها تكبر وتتشكل كما لم تتوقع قط، عن أية غربة يتحدثون! والكل يمد لك يده، يربت فوق كتفك، يدفعك للمضيّ لتحقيقِ حلمك الأول، دون أن يسعى للنيلِ منك، أو حتى لأن يخذل شغفك.
كثيرةٌ هي الوجوه التي يمكنك أن تراها، لكنك لن تتذكرها في الثواني القادمة، بينما لن تنسى الشعور الذي أمدك بكل السلام دون أن يجعل العالم يتداعى في عينيك.
نحن لا نتجدد بالسرعةِ التي تتتابع بها المواسم بشكلٍ مستمر، نتغير بقدرِ الألم، نكبر بقدرِ الجراح، نبتهج على قدرِ المتع، ولا ننسى بقدرِ الخيبة التي تمكنت منّا، لا شيء قد يحدث فينا هزة عمريّة سوى الحب، وكأن ما عداه لا يمكنه أن يخمد الحرائق التي بداخلنا.
كل شيء يعبر من حولي يملؤني، يثريني، يميزني، يجعلني أكثر رغبة، وأكثر من كوني عابرًا لا يرى في مداه سوى الرحيل، لم أكن لأرحل دون أن أرى الحياة كما هي؛ فعلى سبيل الحصر: الشمس هنا هادئة، لم أشعر بحرارتها، ككل التفاصيل المترامية بجمالها، النوارس لم تكن غاضبة قط؛ بل دائمًا أراها جائعة للحب، للتحليق الطويل أمام الأنظار الحالمة، لهذا السبب فقط لم تكن الغربة بذلك السوء، من الجميلِ أن تتعلم، تعيش وتحيا الكثير في هذا العالم، دون أن تكون بحاجةٍ لاقتراف المزيد من الأخطاء والعلاقات؛ كي تتعلم الحب..