الأضرار النفسية الناتجة عن مشاهدة الأفلام الإباحية، خاصة عند الشباب، تعد أكبر بكثير من منافعها؛ فقد وجدت الدراسات التي أجريت على شريحة من الشباب في الفئة العمرية 15-21 عند الذكور أن معدل مشاهدة مثل هذه الأفلام يتعدى 10 ساعات شهرياً، وهو معدل مرتفع، مقارنة بنسبة ما يحصل عليه الشاب من الثقافة الجنسية الصحيحة عن طريق الكتب المتخصصة، أو حتى من قبل المختصين في تقديم هذا النوع من الثقافة للفئة المعنية من الذكور والإناث، الأمر الذي قد ينتج عنه الكثير من المفاهيم الخاطئة، والتي تؤثر سلباً على نوعية الأداء الجنسي للشاب والشابة عند الزواج، وبخاصة في تلك المجتمعات التي تتحاشى التحدث في هذه الموضوعات لدى الشباب المقبلين على الزواج من الجنسين.
الحالة:
الرسالة التالية وصلتني من إحدى الأمهات، وجعلتني أتوقف عندها كثيراً؛ لما تمثله من أهمية للموضوع الذي تسأل عنه، والمتعلق بابنها البالغ من العمر ستة عشر عاماً، وهو الولد الوحيد بين 4 بنات، وتقول إنها لاحظت كثرة إلحاحه على البقاء في منزل أحد أصدقائه المقربين من الأسرة، والذي تشهد له ولأسرته بحسن السلوك، الأمر الذي جعلها تصر على معرفة السبب؛ خوفاً من أن تكون هناك أمور خطيرة، مثل تعاطي المخدرات، مما جعلها تصر على عمل تحاليل لابنها، والتي كانت سلبية، وهنا أخبرها ابنها بالسبب وراء إصراره على البقاء عند صديقه معظم الوقت، بأنهم يشاهدون الأفلام الجنسية؛ ليتعلموا منها كيفية الحياة الجنسية، وهو أمر رفض أبوه أن يجيبه عن بعض الأسئلة التي كان يسأله عنها. تقول السيدة إنها أصيبت بصدمة، ولم تعرف كيف تتصرف، وقامت بالتحدث مع الأب الذي صدمها بالإجابة «هو ولد، دعيه يتعلم». وتقول لديّ العديد من الأسئلة:
كيف أتصرف مع ولدي؟ وأيضاً كيف أحميه من الوقوع في الخطأ؟ مع العلم أنه صارحني بمنتهى الوضوح أنه لا توجد لديه ميول مثلية، بل على العكس؛ لديه «صديقة».
وتسأل هل من المفروض أن يقوم بهذا الدور التثقيفي؟ وفي أي عمر يجب أن نبدأ مع الأولاد، خاصة الذكور، فالبنات دائماً يحظين بالملاحظة، وليس بينها وبينهن حرج في التحدث عن مثل هذه الأمور، فهي حريصة على أن تتبع الأساليب التربوية الصحيحة مع أبنائها.
الإجابة:
سيدتي الفاضلة، أنت تتحدثين بلسان كل الآباء والأمهات، وأيضاً المختصين في مجال تربية الأطفال عن موضوع من أهم الموضوعات، التي لم يجد لها أحد أو المختصون في معظم المجتمعات المتقدمة إجابة موحدة؛ نظراً لأن الموضوع متشعب، ومرتبط بالكثير من الصعوبات المتعلقة بإيجاد التوازن السليم بين ما يمكن تدريسه للأبناء من الجنسين فيما يتعلق بالجوانب الجنسية، وبين المحافظة على القيم المتأصلة في المجتمع من ناحية أخرى.
وأعتقد أن هناك أموراً وحقائق يجب أن نتطرق لها في هذا المجال ومنها:
- يجب أن ندرك أن مدارك الأطفال وكيفية حصولهم على المعلومات من المصادر المتاحة، والتي أصبحت متوفرة بشكل أكثر تأثيراً في بعض الأحيان من النصائح التي قد يقدمها الأهل، الأمر الذي يستوجب إيجاد آلية لتقديم التثقيف الجنسي الشامل للأطفال، بحسب المرحلة العمرية للطفل، وهنا لا نتحدث فقط عن الموضوعات المتعلقة بالعلاقة الجنسية، وإنما يجب أن نبدأ بتوضيح الأساسيات المرتبطة بالنظافة الشخصية، وكيفية حماية الطفل لنفسه من التحرش الجنسي وغيرها من الأمور الأساسية للتعليم الجنسي. وأفضل سن لبدء هذا البرنامج المتدرج هو سن الطفولة من العام الرابع.
- ثم تأتي مسألة، مَنْ الأفضل الذي يقوم بهذا الدور؟ والإجابة أنه يجب أن يكون أولاً دور الأبوين في هذه المرحلة، ثم تتدرج إلى شمول دور المدرسة، وتقديم المادة بصورة علمية ضمن حصص مادة العلوم؛ حيث نحرص على تقديم المعلومة بدون تضخيم أو خجل من قبل المعلمين، وهو أمر حيوي ومهم جداً؛ لأن معظم الشباب لديهم معتقداتهم الخاصة، والمكتسبة، إما عن طريق المواقع الإباحية والأفلام أو عن طريق الأصدقاء، وتكون نتيجة التجارب الشخصية التي لا يمكن تعميمها على الجميع.
- الأمر الآخر متعلق بما ذكره زوجك من أن «الولد لا يضيره شيء ودعيه يتعلم»، وهو من الموروثات الخاطئة المنتشرة في العديد من المجتمعات، خاصة المجتمعات العربية، وهو أحد أهم الأسباب وراء ارتفاع معدلات الاضطرابات الوظيفية الجنسية بين الرجال؛ نتيجة التعلم الذاتي الخاطئ من تلك الأفلام، ونذكر هنا أشهر هذه الاضطرابات، وهو ما يعرف بالقذف المبكر وقلق الأداء، والحقيقة العلمية تؤكد على ضرورة الاهتمام بجانب التثقيف الجنسي للشباب من الجنسين، وليس فقط للبنات أو للأولاد، ما يساعد على تحقيق الاستقرار والتوافق الجنسي في العلاقة الزوجية مستقبلاً.
نصيحة:
من الأخطاء الشائعة في الكثير من المجتمعات تجاهل أهمية التثقيف الجنسي بمفهومه الشامل، وليس فقط ما يتعلق بالعلاقة الجنسية، وذلك حتى في العصر الحديث الذي يعتقد بعض الناس أن الإنترنت وغيرها تسهم في تقديم ما يحتاجه الشباب من معلومات أساسية.
الأمر يستوجب إعادة تقييم شامل لما يقصد بالثقافة الجنسية للشباب، والتي يجب أن يكون هدفها التعليم وليس الإثارة.