قد يوهمكم السراب بتعقب الماء في الصحراء، لكن عندما تدنون؛ فإنكم تكتشفون أنه لا يعدو كونه ضرباً من ضروب الوهم، الذي ترسمه لكم رياح نزقة، لكن ماذا لو أضحى هذا التخيل حقيقة؟ فيتراءى لكم البحر شهياً في قلب الصحراء «بحر طانطان» الشاسع، وواحاته التي تحرسها كثبان حكيمة، وأنتم تقفون على علو مطل في منطقة شبيكة بمدينة طانطان، فتبهرون بأفق غير خادع، زلال وتراب يمارسان غواية التضاد.
«سيدتي نت» تابع موسم طانطان، والذي تم تصنيفه سنة 2005 ضمن روائع التراث اللامادي للإنسانية، من قِبل منظمة الأمم المتحدة «اليونسكو» للعلوم والفنون والثقافة.
موسم الصحراء
استأنفت ساحة التسامح والسلم بمدينة طانطان نشاطها التاريخي؛ بإحياء موسم طانطان السنوي منذ 2004، بعدما توقف عام 1982؛ فاسترجعت بذلك قبائل الصحراء تلك اللُّحمة الاحتفالية بثقافة البيداء الغنية، التي تبدأ من الزي؛ فالرجل يلبس «الدراعة»، في حين تلتحف المرأة «الملحفة»، ويحقق كل من اللباسين راحة وخفة وسلاسة في الحركة، كما تتزين النساء بأنواع مختلفة من الحلي الفضية والأحجار الكريمة، ومن هذه الحلي نذكر: «لمبايل» والأرساغ و«الليات»، وهي حلي توضع على المعصمين، وتضع امرأة في رجليها الخلاخل، وتزين نحرها «بالبغداد»، وهو عبارة عن كتاب صغير من الفضة الخالصة والحجارة الكريمة المسماة «البزرادة»، وهناك القلادة نفسها، التي تصنع من أجود الأحجار الكريمة.
ثالوث البيداء
الخيمة والجمل والشاي «الثالوث الأثير» في ثقافة أهل الصحراء، فالخيمة تنسجها النساء من شعر الماعز أو الصوف، ويتم رفعها بركائز وبأوتاد، والخيمة لها رمزية عند المرأة؛ فعندما يحدث الطلاق، فهي تتخلى عن الزوج، لكنها لا تتنازل عن خيمتها؛ فتحملها معها، وبذلك يكون الشعور بكونها من دون مأوى غير وارد عند المرأة الصحراوية، فمسكنها يظل معها، حتى عندما تنفصل عن الزوج.
ويقول الباحث حمدي يخظيه، إن الخيمة نالت حظها من المعتقدات الشعبية الصحراوية، حيث يقول الرواة الكبار في السن، كان بعض الصحراويين إذا ماتت الزوجة، وكعلامة على الحزن، تقوم عائلتها بخفض الخيمة وطيها وبناء واحدة صغيرة في مكانها بركيزة واحدة، وفي ذلك رمزية أن الأم هي أساس الخيمة وركيزتها الأساسية، أما إذا مات الزوج؛ فإن الخيمة لا يتم طرحها، وتبقى كما هي منتصبة شامخة.
«بنى خيمة»
وحين يريد الصحراويون قول: إن شخصاً ما، تزوج، لا يقولون: «تزوج»؛ بل «بنى خيمة»، «عدل خيمة»، أيضاً حين يسألون عن الوضع الاجتماعي لشخص ما، يقولون: «متخيم، عندو خيمة، بخيمتو»، أكثر من ذلك وفي رمزية قوية على حث المجتمع الصحراوي على أهمية الزواج، وربط قيمة الرجل والمرأة بالزواج، يقول الصحراويون «اللي بلا خيمة ما عندو قيمة»، أما الجمل كما هو معروف، فله أهمية في حياة الإنسان الصحراوي، ويقول الباحث في ثقافة الصحراء، بلعيد أطويف في هذا السياق:
عشق أهل الصحراء الإبل كعشقهم للشاي والحياة، ليس فقط لأنها مصدر اللبن والوبر واللحم والجلد، ووسيلة حمل وتنقل لا مثيل له، ولكنها تشكل بالنسبة له أحد رموز الحياة والخصب على هذه الحياة الصحراوية القاحلة.
ونظراً لكون الإبل أكثر ارتباطاً بإنسان الصحراء، ولقيمتها ورمزيتها أقام الصحراويون «لز الإبل» أو «السلف» في الصحراء الخالية، وهو سباق للإبل ينظم عادة في المناسبات الاجتماعية كحفلات عقد القران والزفاف، ويتم انتقاء الإبل لخوض هذه السباقات التي يمتطيها «أفكا ريش» أي الرجال الأقوياء الذين يجيدون ركوب الإبل، وهذه السباقات كثيراً ما تؤدي إلى مشاحنات قد تأخذ أشكالاً عنيفة».
طقوس الشاي
للصحراويين أدبيات وطقوس إعداد الشاي؛ فلا يستقيم الشاي إلا بثلاث جيمات، لابد من أن يشرب في إطار الجماعة، و«الجر»، أي إطالة المدة الزمنية لتحضير الشاي؛ حيث يكون ذلك مناسبة للنقاش وتجاذب أطراف الحديث، والجمر، إذ من الأفضل إعداد الشاي على الفحم، ويطلق على معد الشاي «القيام»، ويتم اختياره من بين أفراد الجماعة وفق مواصفات معينة، من بينها: بلاغة الحديث، وإتقان الشعر، ودماثة الخلق، والحسن والوسامة، وأن يكون من أصل طيب.
السعودية ضيف شرف
حلت المملكة السعودية في الدورة السابقة كضيف شرف؛ ممثلة بمنطقة حائل، وترأسها الأمير سلطان بن سلمان، وشاركت بألوان فنية مختلفة؛ تعكس ثقافة المنطقة.
ويعد الموسم؛ مناسبة للاحتفاء بثقافة البدو، وإظهار مختلف مظاهر الحياة اليومية للإنسان الصحراوي. وتكلل الموسم بلوحات استعراضية لفرق متعددة للفروسية وسباق الجمال، إضافة إلى ألوان مختلفة من الفولكلور الجنوبي الصحراوي، كما تم تقديم مشهد من طقوس العرس الصحراوي حينما تركب العروس الناقة وتزف في موكب للجمال، ترافقها فرقة غنائية تنشد مواويل وأغاني خاصة بالعروس، كما شارك الأطفال بألعاب رياضية تقليدية كلعبة «أراح» و«أردوخ» التي تشبه المصارعة حالياً، كما تم إلقاء أشعار تعكس إرث المنطقة الشفهي.
مدينة طانطان
طانطان مدينة تقع جنوب المغرب، تبعد عن المحيط الأطلسي بنحو 25 كم، عدد السكان يبلغ نحو 70 ألف نسمة.
أهم الأنشطة الاقتصادية تتمثل في الصيد البحري والفلاحة والتجارة، تصدر كميات كبيرة من السمك إلى مختلف دول العالم؛ خاصة أوروبا وأمريكا وكندا، ويمتلك إقليم طانطان مؤهلات سياحية مهمة؛ تمتزج فيها الطبيعة الصحراوية بسحر البحر.