ابتعد الكثير من المستثمرين في الآونة الأخيرة عن أسواق المال بعدما كانت بمثابة المقبرة للعديد منهم وللكثير من استثماراتهم، وبدت فرص العمل والنجاح في هذه الفترات أقل بكثير مقارنة بما كانت عليه في أوقات مماثلة في السنوات الماضية، واتجهت الأنظار نحو الركون والهدوء لحين اتضاح الصورة، ولكن هل هذا يعني أنكِ لا تستطيعين أن تقتحمي عالم الاستثمار وتثبتي أقدامكِ على أرضه كمستثمرة ناجحة وقوية؟
إن ما يتطلبه منكِ بناء محفظة استثمارية ناجحة يتلخص بكل بساطة بالإلمام بزاويتين مهمتين أولاهما: زاوية المستثمر وذلك من خلال تطوير السياسة الاستثمارية التي توضح الأهداف الاستثمارية ومحدداتها، بينما تتعلق الزاوية الثانية بمعرفة خصائص الأصول الاستثمارية، ومنها الأسهم، العقارات، والسندات ومن ثم الإستراتيجية الاستثمارية التي تؤدي إلى توزيع الأصول ضمن المحفظة الاستثمارية بطريقة تنسجم مع السياسة الاستثمارية، وبالتالي فتأسيس أي محفظة ناجحة يتوقف على المستثمر وأهدافه, وسياسته, وبعد ذلك على الاستثمار نفسه وآليته وتفاصيله.
خطوط عريضة لاستثمار ناجح:
يؤكد الخبير المالي (ماجد العتيبي) على أنّ الخطوة الأولى في بنائكِ المحفظة الاستثمارية لابد أن تبدأ من تطوير سياستكِ الاستثمارية الواضحة المعالم والمنهجية، ويجب أن تؤسس هذه السياسة على خمسة محاور أساسية:
1. حدّدي بوضوح أغراضكِ من هذا الاستثمار.
2. حدّدي وقرري مسبقاً مدة استثماركِ التي تنوين بعدها تسييل استثماراتكِ.
3. إلى أي درجة قد تتأثرين بمعدلات التضخم.
4. مدى استعدادكِ لتقبل المخاطر.
5. هل لديكِ قيود معينة تجاه أي نوع من الاستثمار؟
ولتكون هذه المحاور أكثر وضوحاً، نفصلها كالتالي:
< أغراضكِ من هذا الاستثمار
إنّ تحديدكِ لغرضكِ وهدفكِ من أي استثمار يحدد الطريقة والأسلوب الذي تتعاملين به مع استثماركِ، فكونكِ ترغبين بزيادة مدخولكِ المادي يختلف عن أن تكوني بحاجة لتوفير مصاريفكِ الحالية كما يختلف عن كونكِ مثلاً بحاجة لتوفير دخل أو مردود مادي مستقبلي، ولنفرض مثلاً أنّ مستثمرة عمرها 35 سنة وتحقق دخلاً جيداً يفي بمتطلباتها المعيشية, ولديها ولدان وهي المسئولة بشكل مباشر وكامل عن مصاريفهما، ففي حالة هذه المستثمرة لا ننصح بالاستثمار في الصناديق التي تحقق دخلاً مثل صناديق السندات بل قد يكون من المناسب الاستثمار في خليط من صناديق الاستثمار التي تستهدف النمو.
أما إذا كان عمر المستثمرة مثلاً 45 عاماً والأبناء على وشك الدخول إلى الجامعة، كما ترغب السيدة في الانتقال إلى مسكن جديد، فإنّ متطلباتها تفرض عليها أن يكون العائد أقل تذبذباً بحيث تتمكن من دفع مصروفات الجامعة وتوفر المبالغ المطلوبة للسكن الجديد وبالتالي فقد يكون من المفيد أن تعدل المحفظة بإعادة توزيع الأصول من خلال تسييل الاستثمارات التي تتصف بالنمو الكبير، وفي الوقت نفسه بالتذبذب المرتفع مثل صناديق الأسهم الآسيوية, وجزء من الصناديق المحلية كما يمكن توزيعها في الصناديق التي تستثمر في أسهم التكنولوجيا, وإعادة استثمارها في صناديق الإيجار والسندات الحكومية وصناديق أسواق النقد.
من خلال هذين المثالين يقدم (العتيبي) النصيحة التالية:
«لا تستثمري في الصناديق لذاتها بل لأجل الأهداف التي تحققها، وتأكدي أنّ تلك الأهداف تتطابق مع الأهداف التي تنوين تحقيقها», وعليكِ أن تتذكري بأنكِ عندما تذهبين إلى أحد المكاتب السياحية أول سؤال سيُطرح عليكِ: ما الجهة التي ترغبين أن تسافري إليها؟.
وليس أي الخطوط التي يجب أن تسافري عليها، فتذكري دائماً أنّ هدفكِ الاستثماري هو الذي يحدد أي الصناديق هي الأفضل لكِ.
< تحديدكِ لمدة الاستثمار
تحديد فترة الاستثمار أحد العوامل المهمة التي تحدد مدى ملاءمة نوعية معينة من صناديق الاستثمار، فإذا كان هدف المستثمر شراء منزل ـ على سبيل المثال ـ بعد 12 سنة من الآن فإنّ الاستثمار في صناديق الأسهم أفضل, أما إذا كان هدف المستثمر شراء منزل بعد سنة من الآن فقد يكون من الأفضل استثمار أمواله في صناديق النقد والسندات.
< إلى أي مدى تتأثرين بمعدل التضخم؟
تستثمر اليوم لتستخدم هذه الأموال غداً، وبالتالي علينا الاهتمام بالقيمة الحقيقية لاستثماراتنا وليس قيمتها الاسمية أي بقيمتها الشرائية, فتكلفة الدراسة الجامعية اليوم تختلف عن تكلفتها غداً, وسعر المنزل اليوم لن يكون مساوياً لتكلفته بعد عشر سنوات، فعلى سبيل المثال إذا كانت تكلفة المنزل اليوم 500 ألف ريال، فإنّ تكلفته بعد عشر سنوات على أساس معدل تضخم 4.5 سيكون 776485 ريالاً, وبالتالي فعلينا أن نستثمر في أصول مالية تحقق عائداً أعلى من معدل التضخم.
< مدى استعدادكِ لتقبل المخاطر.
لابد لكِ أن تعلمي دوماً بأنه ليس هناك ربح بدون ألم، وهذا القول صحيح ولاسيما عندما نتحدث عن الاستثمار في الأسهم، والألم يشير إلى المخاطر أو إلى التذبذب الكبير في أسواق الأسهم, فعلى الرغم من أنّ الأسهم تدر عائداً في المتوسط أعلى من السندات أو الودائع إلا أنّ ذلك يصاحبه تذبذب كبير، فعلى سبيل المثال فقدت الأسهم أكثر من ثلثي قيمتها خلال سنتين وبالتالي فإنّ حجم المخاطرة كان ولا يزال وهو كذلك دوماً عالياً ومرتفعاً.
< هل لديكِ قيود تجاه أي نوع من الاستثمار؟
المحور الأخير الذي يجب أن تغطيه السياسة الاستثمارية هو القيود الخاصة على الاستثمار, أو تلك العوامل التي يتوقع حدوثها مما يستلزم تغير الأهداف الاستثمارية, فعلى سبيل المثال كثير من المستثمرين لا يرغبون في الاستثمار في شركات تتعارض مع مبـادئ الشريعة الإسلامية أو بعضهم لا يرغب في الاستثمار في دول معينة.
مثل هذه القيود يجب أن تكون واضحة في السياسة الاستثمارية حتى يسهل اختيار الصناديق التي تتلاءم مع الأهداف الاستثمارية.