مصممة المجوهرات منى عنان: اشتغلت على "الخلالة" كَحُلي أمازيغي وكَرَمز ثقافي

من تصاميم منى عنان
من تصاميم منى عنان

منى عنان من النساء المغربيات اللواتي اخترن صياغة المجوهرات والحُلي. بينها وبين هذا العالم الجميل، حكاية شغَف ورغبة مُلحة لاستكشاف التاريخ والمشاعر الإنسانية التي تحكيها المجوهرات منذ القِدم. بعد دراستها وتخصصها في إدارة الأعمال في أمريكا، عادت إلى بلدها المغرب وأطلقت مشروعها في بلدها بمدينة الدارالبيضاء، الذي يخلص لشغفها بتصميم المجوهرات، هذا العالم الساحر، الذي تقول عنه، إنه يروي حكايات تاريخ وحضارات سادت وألهمت كثيراً من عشاق الفن. "سيدتي" التقت منى لتتعرف إلى  قصة حبها مع الأحجار الكريمة والمعادن النفيسة، التي تحولت لعلامة خاصة بها.

حوار: سميرة مغداد

 

تاريخ وحضارة

كيف استهواك عالم المجوهرات؟

انجذبتُ إلى عالم المجوهرات من خلال اهتمامي بالتاريخ والأنثروبولوجيا؛ حيث أقرأ وأبحث كثيراً في هذا المجال، ومن هنا اكتشفتُ أن المجوهرات تحكي بدورها تاريخ حضارات، وتختزل نمط عيش الشعوب. المجوهرات لديها بصمتها الخاصة، وفي نفس الوقت استهوتني جماليتها؛ فهي عبْر التاريخ، سواء عند السومريين أو الفراعنة الذين كانوا يستعملون الأحجار مثل اللازورد ، فيها معانٍ ورموز تعكس نمط حياة وحضارة. كما لاحظتُ أنه في جميع الحضارات، هناك مجوهرات متشابهة، مثل الميداليات أو "اللويزات" كما نسميها في المغرب، التي تأخذ شكل دوائر تشبه النقود، ونجدها في كل الحضارات. من خلال هذا البحث، وجدتُ نفسي أرسم بعض الأشكال الهندسية للمجوهرات، التي أستلهمها من قراءاتي واطلاعي اليومي، لم أتخصص في صناعة وصياغة المجوهرات، لكنني كنت باحثة نهِمة عن أسرار وعوالم هذه المجوهرات، عبْر الكتب والأسفار وعالم البحث الإلكتروني. تخصصتُ وأحببت الاشتغال بالمجوهرات المصنوعة باليد لسببين: لأن المجوهرات المصنوعة باليد بالنسبة لي، فيها حياة أكثر لا تكون كاملة مئة بالمئة، نجد فيها فكرة وقصة بدأت من المصمم، ذاك المعلم الحِرفي؛ لتصل إلى الكمال الذي تمنحه الآلة أو المعمل؛ فهو يُشعرنا بالحياة أكثر. لذلك قررتُ أن أشتغل باليد، وأيضاً لاسترجاع مكانة الصائغ المغربي؛ لأنه للأسف مع زمن العولمة، بدأنا نستورد مجوهرات كثيرة جاهزة، ولم نَعُد نولي اهتماماً للصناعة اليدوية المحلية. وخوفاً من أن تنقرض هذه الصناعات اليدوية، أردتُ أن أشارك في إحيائها ومساعدة هؤلاء الصنّاع لترويجها وتعلُّمها أكثر حتى لا تضيع. نحن كمغاربة، لدينا تراث رائع غنيُّ، فيه ثقافات متعددة عربية وإسلامية أندلسية أفريقية ومتنوّعة، ومن واجبنا الحفاظ عليه.
اقرأي أيضاً "حكاية 1755" يستعرض إرث دار ڤاشرون كونستنتان

 

 

من تصاميم منى عنان

 

إلهام أمازيغي وتراثي

ما هي أول التصاميم التي اشتغلتِ عليها؟

حاولتُ استلهام أفكار كثيرة لتصاميمي، وفي النهاية اخترتُ حرف تيفيناغ الأمازيغي، بحكم أن نصفي أمازيغي، كما أن المغرب بلد أمازيغي، وتحضر المجوهرات الأمازيغية بشكل كبير؛ لذلك اشتغلت على "الخلالة" كَحُلي أمازيغي وكَرَمز ثقافي، مع استثمار كل حِرف الصناعة التقليدية، كالنقش المغربي،فأنا أحاول المزج بين أشكال هندسية وشغل يدوي حِرفي، بالزخرفة الأصيلة (التخرام) والنقش التقليدي المغربي.

ما المواد التي تفضلين الاشتغال عليها؟

أشتغل على مواد نبيلة مثل الذهب والفضة، وأستعمل الأحجار الكريمة والطبيعية، لا أستعمل كلَّ ما هو مصنّع. أحب الجواهر كثيراً، فيها رمزية كبرى من ماضينا المشترك والذاكرة المغربية الأصيلة، لا أظن أن أحداً منّا لم يرَ جَدته تتزين بالجواهر. أحاول ما أمكن أن أجمع الجواهر القديمة، وأستعمل العصرية كذلك التي نستوردها من الخارج؛ خاصة الهند، وأعمل أيضاً بجواهر طبيعية خالصة.

من أين تستوحين عادةً الأفكارلإنجاز تصاميمك؟

الأفكار تَحضُرني كل يوم تقريباً، وأرسمها في حينها، أستلهم أيضاً من الطبيعة أشكالاً طبيعية، ومن الألوان المحيطة حولي في الطبيعة، وتفاصيل يومي من الزربية المغربية التي تحمل رسومات رائعة وألواناً زاهية. ومن الزخرفة المعمارية التقليدية، ومن الفن المعاصر وحضارات أخرى، أعشق حضارة آسيا الوسطى، وأحب الحُلي المنغولي، فهو رائع، وكذلك المجوهرات الهندية، التي أجد فيها قواسم مشتركة مع الحلي العربية والمغربية. أستلهم وأمزج في تصميم واحد من أكثر من حضارة. تصاميمي المقبلة تمضي كلها في هذا المزيج الحضاري، الذي يلتقي مع الإنسانية كلها أحياناً، أينما كان.

من تصاميم منى عنان

الحلي  يمنح طاقة إيجابية

ما هي المجوهرات الأساسية التي يجب أن تضعها النساء في نظرك؟

كل المجوهرات جميلة ومتاحة للجميع، للنساء والرجال والأطفال، وطبعاً النساء هن أكثر اهتماماً بها، وأجد أن الأقراط والحلق هي المجوهرات الأولى بالنسبة للنساء. أرى أن الأقراط الجميلة عنوان أناقة المرأة، وأحب تصميمها لأنها تمنحني حرية وإبداعاً أكبر مما تمنحه باقي الحلي، أجد أن الحلق أساسي، ويمنح المرأة حضوراً أنثوياً بهياً.

كيف يمكن في نظرك أن تمنحنا المجوهرات طاقة إيجابية؟

طاقة المجوهرات تكمن في نظري، في تفاعلها مع أجسامنا التي هي في حد ذاتها مجموعة من المعادن التي خلقها الله فينا. حينما نضعها، نشعر بطاقة حيوية تنعش مزاجنا وتمنحنا جمالية وبهاءً بين الآخرين. هناك اليوم عِلمٌ بهذا الخصوص، يخوض حتى بالعلاج ببعض الأحجار والمعادن. في تقديري، المجوهرات تمثل شخصية حامليها والحالة النفسية أيضاً. المجوهرات مرتبطة بالفرح والبهجة، وبالتالي نستشعر بتلقائية طاقة جميلة إيجابية، وحتى حينما نشتري الذهب كوسيلة للادخار والاحتفاظ به لتقلبات الزمن، هذا الأمر في حد ذاته يمنحنا الأمان النفسي، وهي كذلك من نعم الله علينا التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم.
قد يهمك أيضاً: فلنعد بالزمن لنلقي نظرة على الحليّ التراثية في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية