بموضوع جديد ومقاربات جديدة يعود مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة بنسخة جديدة يشارك فيها نخبة من العلماء والباحثين المختصين في الفلسفة ونظرياتها، والمهتمين بتطبيقاتها الحديثة من جميع أنحاء العالم.
#مؤتمر_الرياض_الدولي_للفلسفة 2023 في #الرياض، حيث يجتمع الخبراء والمهتمون في فضاء فلسفي متفرد@MOCLiterature pic.twitter.com/dpuq32td77
— مجلة سيدتي (@sayidatynet) December 8, 2023
ففي مكتبة الملك فهد الوطنية في الرياض، وتحت عنوان: "القيم العابرة للثقافات والتحديات الأخلاقية في العصر التواصلي"، أطلقت هيئة الأدب والنشر والترجمة النسخة الثالثة من "مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة"، والتي تناقش العلاقة المتبادلة بين القيم العابرة للثقافات والقضايا الأخلاقية المرتبطة بها في ظل العالم التواصلي بشروطه الجديدة، واستكشاف الطرق التي يُمكن للثقافات المختلفة أن تتفاعل وتتواصل من خلالها، مع الحفاظ في الوقت عينه على قيمها وهوياتها الفريدة.
الفلسفة للجميع
وبهذه المناسبة كان لنا حديث مع الأستاذ خالد الصامطي، مدير عام قطاع الأدب في هيئة الأدب والنشر والترجمة، والذي شكر "سيدتي" على تواجدها لتغطية هذا الحدث مؤكداً: "نحن في عصر لا نستطيع معه صنع حدود في هذا العالم المليء بالشبكات، العالم الافتراضي الكبير والواسع الذي يدخل بيوتنا ويصل إلى أيدي أبنائنا وأيدينا، ويتداخل مع تفاصيل حياتنا كلها، لذلك وجدنا أنه لا بد أن مناقشة هذا الموضوع وطرح كل التحديات التي تواكبه"، وأضاف: "في كل سنة يحمل المؤتمر محوراً رئيسياً محدداً أو موضوعاً محدداً، ونحاول من خلال هذه الموضوعات أن نناقش قضايا آنية وقضايا استشرافية في ذات الوقت."
وأشار الصامطي إلى أن: "باب التسجيل لتقديم أوراق بحثية فلسفية للمؤتمر فتح قبل المؤتمر بأكثر من ثلاثة أشهر، فتقدم أكثر من 140 باحثاً، واختير من هذه الأوراق والأشخاص والمفكرين والفلاسفة من أكثر من 24 دولة، وهم الذين ترونهم اليوم هنا."
وأكد مدير عام قطاع الأدب في هيئة الأدب والنشر والترجمة أن هذا المؤتمر موجه لأكثر من فئة في المجتمع، قائلاً: "نحاول من خلال هذا التوجه أن نوصل فكرتنا، وهي أن الفلسفة ليست علماً أكاديمياً تنظيرياً، ولكنها تدخل في تفاصيل الحياة اليومية، هنالك فلسفة في كل ما نفعله من حياتنا وتصرفاتنا ومهننا، فالفلسفة هي طريقة تحليل ورؤية الأمور، مهما كان هذا الأمر."، وأضاف: "من خلال التفعيلات التي نقدمها في هذا المؤتمر، نوضح أن الفلسفة هي للجميع، هنالك قسم للأطفال، بحيث تقدم من خلاله فعاليات فلسفية موجهة للأطفال من قبل أناس متخصصين بهذا المجال بالتحديد، كما يحمل المؤتمر الأوراق العلمية الفلسفية المقدمة عبر الندوات، وهنالك أيضاً المسارح وغرف العمل المغلقة بحيث يجلس المسجلون أمام محاضر ويتعلمون أساسيات ومبادئ الفلسفة، كما يشمل المؤتمر مناظرات يشارك فيها طلاب من جامعات سعودية، بحيث يتناقشون ويتناظرون حول موضوع، ويعلن الفائز في نهاية هذا المؤتمر، وهذه المناظرات هي نوع من خلق ثقافة الحوار والمناظرة لدى الجيل اليافع."
وختم الصامطي حديثه بالقول: "هذا المؤتمر مستمر لثلاثة أيام وهو فرصة جميلة أن تشارك فيه العائلة من آباء ومن أبناء للحضور والاستفادة والاستمتاع".
تنبيه الوعي الاجتماعي
من جهته تحدث د. وائل الكردي (أستاذ مشارك بعدة جامعات منها السودان للعلوم والتكنولوجيا، والأكاديمية العربية في الدنمارك، والرباط الوطني...)، حول الجلسة الحوارية التي شارك فيها ضمن المؤتمر قائلاً: "هذه الجلسة تأتي في الإطار الفلسفي لمحاور الموضوع الذي تم تناوله وحاولنا من خلالها أن نوجد إطاراً فلسفياً من أبعاد متعددة أخلاقية ومنطقية، واجتماعية لفكرة القيم العابرة للثقافات".
وأضاف: "هي جلسة مهمة جداً لتنبيه الوعي الاجتماعي ليس المحلي فقط وإنما العالمي إلى أن هنالك جدلاً كبيراً يدور في ساحات بلادنا حول الهوية والعالمية، فالقيم العابرة للثقافات المقصود بها القيم التي تصدر من شعب معين ليفهمها شعب آخر ويتفاعل بها، وهذا بدوره يحقق التعايش السلمي بين الشعوب، لأن التعارف والتفاهم حول القيم يؤدي إلى نوع من التكامل الاجتماعي بين الشعوب كلها، نشترك في القيمة، ولكن نختلف في كيفية استخدام هذه القيمة وتوظيفها، ولكن هذا الاستخدام له جذر موحد، وكله في النهاية مرتبط بالإنسان، بالوجود الإنساني، وتتحول الإجابة على سؤال "أكون أو لا أكون" من أني أصارع الآخر حتى أكون إلى أني أكون بالتكامل مع الآخر. "
وعن محتوى الجلسة قال الكردي: "تناول الدكتور عبد الرزاق من الجزائر المحور الأخلاقي، وتناولت الدكتورة ما يتعلق بالجانب السعودي والأخلاقيات والعلاقة بين ما هو موروث وما هو وافد، وتناولت ورقتي ما يعرف بالأنثروبولوجيا الفلسفية."
وأشار الدكتور إلى أنه خبر التفاعل السعودي مع الفلسفة منذ سنوات وليس الآن فقط قائلاً: "منذ تأسيس حلقة الرياض الفلسفية وإيوان الفلسفة في جدة شهدت كيف أن الشغف الموجود عند الإنسان السعودي، الرجل السعودي والشاب السعودي والمرأة السعودية والفتاة السعودية، لأن يدخلوا هذا المجال الفلسفي، ومنهم من دخله بعمق وهم يسمون أنفسهم هواة، لكنهم محترفون ولا يدرون".
ما بعد الأخلاق
تحدث أ.د. عبد الرزاق بلعقروز (أستاذ الفلسفة والأخلاق بالجامعة الجزائرية)، عن مشاركته في جلسة حوارية ضمن المؤتمر قائلاً: "حاولت من خلال هذه الجلسة أن أختبر إذا ما كان يمكن لـ"ما بعد الأخلاق" أن تصلح لتأسيس قيم عابرة لما بين الثقافات، يعني هذا هو الإشكال الذي حاولت ورقتي أن تفحصه، وحاولت أولاً أن أقف على مفهوم ما بعد الأخلاق وهو نهاية الإلزام في فعل الخلقي، بمعنى أن ما بعد الأخلاق لا تتضمن داخلها أخلاقاً بعينها إنما هي نوع من الإقبال على المتعة والإقبال على الفردانية والإقبال على الذات، بمعزل عن قضايا تهم الغير".
وأضاف: "من سمة الأخلاق أنها ربط مع الغير وربط مع المجتمع وربط مع النوع الإنساني، بينما ما بعد الأخلاق هي تمزيق لهذه التراتبية الثلاث وهي إقبال على المتعة وبحث عن التلبية الفورية للرغبات وكسر للتنشئة الاجتماعية الانضباطية التي تحاول أن تصوغ الذات ضمن قوالب اجتماعية أو قوالب نفسية معينة."
وتابع د. عبد الرزاق حديثه مشيراً إلى أهمية النقاش الذي تبع الجلسة مؤكداً: "كانت هناك ردود فعل إيجابية أثرت المداخلة وفتحتها على زوايا معينة ذات أهمية، وفتحت حواراً ثرياً مع المثقفين هنا في المملكة العربية السعودية وسعدت بهذا المستوى من النقاش وسعدت بكم أيضاً كإعلاميين، فنحن كفلاسفة يسعدنا كثيراً هذا الاهتمام الإعلامي بالفلسفة لأنها حافز مستمر على التفكير وتعليم للتفكير الإبداعي، وأيضاً خلق هذه الفضاءات أو هذه الضيافات الفلسفية لكي تجعل من المعرفة ومن التفكير العقلاني ذا أولوية في نظام أفكارنا وفي نظام مجتمعنا".
الحوسبة الكمومية
أما أ. مها منصوري (محاضرة في قسم فيزياء في جامعة الملك عبدالعزيز)، فأشارت إلى أن ورقتها ضمن المؤتمر تدور حول الحوسبة الكمومية والتحديات الأخلاقية التي يمكن مواجهتها مع الحوسبة الكمومية.
وقالت منصوري: "من محاور المؤتمر الأخلاق العابرة للثقافات، وأخلاق ما بعد الإنسانية بشكل خاص، وهذه هي الجلسة التي سأشارك فيها، فموضوعات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية كلها تعتبر شكلاً من أشكال التفكير الآلي الذي سيأتي في مرحلة ما بعد تفكير الإنسان."
وأوضحت: "الحوسبة الكمومية هي استخدام الحواسيب أو الكمبيوترات بالاعتماد على مبادئ ميكانيك الكم، فاليوم حواسيبنا كلها حواسيب كلاسيكية ونطمح الانتقال مستقبلاً للحوسبة التي تعتمد ميكانيك الكم، والميزة الأساسية أن السرعة ستكون فائقة ويمكن حل مشاكل لا يمكن حلها الآن، ومتوقع أن تحدث تحولاً خطيراً في الحياة الإنسانية، أكبر من التحول في الذكاء الصناعي."
وأضافت: "المشكلة هي في بعض التحديات الأخلاقية التي يستحسن أن نكون منتبهين لها من الآن، حتى لا نقع في مشاكل مستقبلية، ومن المشاكل التي يمكن أن تواجهنا هي في أن الحوسبة الكمومية ستكون قادرة على فك أي شيفرة موجودة كلاسيكياً، وهذا يمكن أن يعرض ملايين المعلومات وملايين الأشخاص والمعلومات البنكية للكشف، ويمكن أن يؤدي لانهيار اقتصاد دول وتهديد الأمن القومي لدول، هذا من ناحية، من ناحية أخرى موضوع اتخاذ القرارات الآلي وهو ناتج عن تعلم الآلات، ونحن نرى من الآن حدوث تحيزات ناتجة عن تحيزات المبرمجين أنفسهم وتحيزات أوعية المعلومات التي هي أصلاً متاحة للتعلم الآلي، مع الحوسبة الكمومية هذا الموضوع سيتفاقم ويزيد لأنه الحوسبة الكمومية فيها عدم حتمية، فيها عشوائية، بحيث إنه حتى المبرمج لا يكون قادراً على أن يستشف كيف تم اتخاذ القرار في الخوارزمية، حتى لو أنه هو من كتب هذه الخوارزمية".
في صالح الثقافة العربية
من جهتها أشادت أ.د. نادية هناوي (أستاذة النقد الحديث في كلية التربية في الجامعة المستنصرية في بغداد)، بالمحتوى والهدف الذي يقوم عليه هذا المؤتمر وقالت: "حقيقة هذا المؤتمر قائم على فكرة العبور الثقافي وتعابر الحضارات وهذه المسائل التي ما زالت موجودة الآن في الغرب وميدان دراسة واختبار، والحقيقة أن المؤتمر مواكب جداً لما يستجد في الأوساط الغربية من دراسات وتوجهات، ويؤمل أن تكون دراستنا لهذا الاتجاه مثمرة وتعطي نتائج تصب في صالح الثقافة العربية إن شاء الله".
الطفل والفلسفة
من جهتها قالت شيماء قسام (ميسرة في تعليم التفكير الفلسفي في معهد بصيرة): "أقدم ورشة سحر اللغات وهي ورشة متصلة بموضوع المؤتمر عن الثقافات وتلاقي الناس من اللغات والثقافات المختلفة، وطبعاً أقدم الورشة بمنهجية B4C من معهد بصيرة لتعليم التفكير الفلسفي، والهدف الأساسي للورشة هو أن نعلم الطفل كيف يتعامل مع القصة أو الفيديو أو أي شيء يطرح له بطريقة ناقدة، وأن يفكر ويحلل ويناقش ويضع الأسئلة ويستمع أيضاً للأطفال الآخرين ويختبر الأفكار بعمق فلا يكون فقط مستقبِلاً".
وأضافت: "أتوقع أن هذه منهجية جديدة في مجتمعاتنا، ففي البداية سيكون هناك رهبة أو تساؤل عن كيفية تفاعل الطفل، لكن للأمانة أننا نتفاجأ من الأسئلة التي تخرج من الطفل، ومن الحوار الذي ينشأ أثناء الجلسة ومن تقبلهم للاستراتيجيات التي نطرحها ولآداب الحوار وما إلى ذلك، وهذا يعني ان الطفل فعلاً جاهز طالما قدمت له الأمور بطريقة تناسب العمر وبطريقة جذابة".
عن المؤتمر
يذكر أن المؤتمر يتناول في نسخته الثالثة شتى أنواع القضايا الفلسفية من خلال 11 محوراً رئيسيّاً يتفرع منها أكثر من 70 محوراً ثانويّاً، منها الآثار النظرية والمنهجية والعملية، والمقاربات الكلاسيكية والمعاصرة، والسياق التاريخي والأخلاق المعيارية والأخلاق الماورائية (الميتافيزيقية) والأخلاق التطبيقية، والعدالة والتشريع والحقوق والأخلاق والآخر، والفن، والابتكار، والخيال والتكنولوجيا وفلسفة الهوية وغير ذلك.
ويسعى "مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة" الذي يقام سنوياً بمدينة الرياض منذ 2021 إلى بناء شراكات إستراتيجية مع جميع الجهات المعنية من القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية، إضافةً إلى مدّ جسورٍ راسخة فيما بينها قائمة على أسس فكرية ومعرفية مشتركة، وإيجاد مساحة حوارية سنوية تُناقش من خلالها مستجدات علم الفلسفة وتطبيقاته الحديثة، وتنشئ جسراً تواصليّاً بين المؤسسات الناشطة بمجال الفلسفة من مختلف دول العالم لدفع عجلة البحث العلمي والأكاديمي في هذا المجال الإبداعي.
إذا كان يهمكم الاطلاع على المزيد من التغطيات والمواد التي تلقي الضوء على فعاليات ثقافية واجتماعية مؤثرة، اقرؤوا معنا: أسبوع مسك للفنون في نسخة جديدة تعكس الطقوس المجتمعية المحلية والإقليمية