العيوب التي يراد إصلاحها بواسطة العمليات التجميلية، إما عيوب ناشئة في الجسم خلقيًا، كالتصاق أصابع اليدين والرجلين، وإما عيوب ناشئة عن أسباب خارجية، كالمرض وحوادث الطريق، ومنها على سبيل المثال ظهور أورام في الوجه أو في أعضاء أخرى من البدن، وكالحروق التي تشوه الجسم.
وهذه الأعراض تحدث في الغالب آلامًا نفسية للمتضرر، ويكون التدخل الطبي من أجل إصلاح وتجميل ما فسد أمرًا ضروريًا، وهو عين ما ذهب إليه الشيخ محمد المختار الشنقيطي(1) في كتابه «أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها»، ومما قاله: هذا النوع من الجراحة الطبية وإن كان مسماه يدل على تعلقه بالتحسين والتجميل، إلا أنه توفرت فيه الدوافع الموجبة للترخيص بفعله، فمما لا شك فيه أن هذه العيوب تضر الإنسان حسًا ومعنى، وذلك ثابت طبيًا، ومن ثم فإنه يشرع (يجوز) التوسيع على المصابين بهذه العيوب بالإذن لهم في إزالتها بالجراحة اللازمة. وفي رواية الترمذي وأبي داود والنسائي بالسند المتصل إلى عرفجة بن أسعد أنه «أصيب أنفه يوم الكُلاب في الجاهلية (يوم وقعت فيه حرب في الجاهلية) فاتخذ أنفًا من وَرِق (أي فضة) فأنتن عليه، فأمره النبي ] أن يتخذ أنفًا من ذهب».
ولا يستشكل القول بجواز فعل هذا النوع من الجراحة، بسبب ما ثبت في النصوص الشرعية من تحريم تغيير خلق الله تعالى، مثلما ورد في الآيتين الكريمتين من سورة النساء:
{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا* لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا* ولأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا}،
وذلك باعتبار ما يلي:
أولاً: هذا النوع من الجراحة وجدت فيه الحاجة الموجبة للتغيير، فوجب استثناؤه من النصوص الموجبة للتحريم.
ثانيًا: هذا النوع لا يشتمل على تغيير الخلقة قصدًا؛ لأن الأصل فيه أنه يقصد منه إزالة الضرر، والتجميل والتحسين جاءا تبعًا.
ثالثاً: إزالة التشوهات والعيوب الطارئة لا يمكن أن يصدق عليها أنها تغيير لخلقة الله، وذلك لأن خلقة العضو هي المقصودة من فعل الجراحة، وليس المقصود إزالتها.
رابعًا: إزالة تشوهات الحروق والحوادث تعتبر مندرجة تحت الأصل الموجب لجواز معالجتها، فالشخص مثلاً إذا احترق ظهره أذن له في العلاج والتداوي، وذلك بإزالة الضرر وأثره؛ لأنه لم يرد نص يستثني الأثر من الحكم الموجب لجواز مداواة تلك الحروق، فيستصحب حكمه على الآثار، ويؤذن له بإزالتها.
وبناء على ما سبق، فإنه لا حرج على الطبيب ولا على المريض فعل هذا النوع من الجراحة والإذن به، ويعتبر جواز إزالة العيوب الخلقية في هذا النوع مبنيًا على وجود الحاجة الضرورية الداعية إلى فعله، وأما العيوب الحادثة بسبب الحروق والحوادث ونحوها، فإنه تجوز إزالتها بدون ذلك الشرط اعتبارًا للأصل الموجب لجواز مداواة نفس الحرق، والجرح. والله تعالى أعلم. انتهى (ص 173 إلى ص 188).
أما ما يُقصد به التجمّل أو زيادة الجَمَال، كتحسين الأنف بتصغيره وتغيير شكله من حيث العرض والارتفاع، وكتجميل الثديين بتصغيرهما إذا كانا كبيرين، أو تكبيرهما بحقن مادة معينة مباشرة في تجويف الثديين هي السلكون، ومن هذه العمليات إزالة آثار الكبر والشيخوخة كشد تجاعيد الوجه، وكتجميل الحواجب بسحب المادة الموجبة لانتفاخها، فهذا مُحرّم عند أغلب الفقهاء والمفتين، عمدتهم في المنع أن النبي، ]، لم يأذن في ذلك، بل لعن من فَعَلَتْـه (أو فعله على أيامنا)، فقال عليه الصلاة والسلام: «لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات لِلْحُسْن الْمُغَيِّرات خلق الله». (رواه البخاري ومسلم) (2). ولما استأذنته امرأة فقالت: «يا رسول الله إن ابنتي أصابتها الحصبة فتمعّط، وفي رواية (فتمزّق) شعرها، وإني زوّجتها، أفأَصِل فيه؟ فقال: لعن الله الواصلة والموصولة» (رواه البخاري ومسلم).
ومن أسباب المنع عند الفقهاء المحدثين: أن هذه الجراحة تتضمن في عدد من صورها الغش والتدليس، وهو محرم شرعًا، وهي لا تخلو مع ذلك من الأضرار والمضاعفات التي تنشأ عنها، ومنها إمكانية الإصابة بأنواع من السرطان، عافى الله الجميع.
وأحسن ما نختم به هو كلام الشيخ الشنقيطي، في كتابه المذكور أعلاه: تعتذر طائفة من الناس لدى إقبالهم على الجراحات التجميلية، بأنهم لم يبلغوا أهدافهم المنشودة في الحياة بسبب عدم اكتمال جمالهم، والحق أن الأولى بالعلاج علاج الأوهام والوساوس بغرس الإيمان في القلوب، وزرع الرضا عن الله تعالى فيما قسمه من الجمال والصور. والزينة الحقيقة للمؤمن والمؤمنة ليس في الخلقة أساسًا، وإنما هي في الأخلاق وجمال الآداب، وعليه قوله ]: «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم». (رواه مسلم).
وبالنسبة للطالب الذي يدرس علم جراحة التجميل ضمن مناهج دراسته، فلا حرج عليه أن يتعلمه، ولكن لا ينفذه في الحالات المحرمة، بل ينصح من يطلب ذلك بتجنبه لأنه حرام، وربما لو جاءت النصيحة على لسان طبيب لكانت أوقع تأثيرًا في النفس.
(1) هو الفقيهُ المُفسّرُ الأصوليُّ: أبو عبدِ اللهِ مُحمدُ بنُ محمّد المختارِ بنِ أحمدَ مزيد الجكنيُّ الشنقيطيُّ، والدهُ رجلٌ من أهل العلم الكِبار، كان درّسَ في المدينةِ المنورة وفي جدة، ولد المترجم له سنة 1381 هـ، وتدرج في نيل العلوم والمعارف إلى أن دخل رحاب الجامعة الإسلامية (كلية الشريعة)، وفيها نال درجة الدكتوراه برسالة عن أحكام الجراحة الطبية أجيزت بمرتبة الشرف الأولى، مع التوصية بالطبع وطبعت مرارًا.
(2) النَّامِصَة: هي التي تُزِيل الشَّعْر مِنْ الحاجبين، وَالْمُتَنَمِّصَة التي تَطْلُب فعل ذلك بها. والْمُتَفَلِّجَات جمع متفلجة وهي التي تَبْرُد مَا بَيْن أَسْنَانهَا إِظْهَارًا لِلصِّغَرِ وَحُسْن الأَسْنَان.