مئات من الطلبة من أفريقيا وآسيا وأوروبا ينتمون إلى حوالي 40 جنسية من كافة أنحاء العالم، اختاروا جامعة «الزيتونة» بمختلف كلياتها والمعاهد العليا التابعة لها، كالمعهد العالي للحضارة الإسلامية، والمعهد الأعلى لأصول الدين لدراسة الشريعة الإسلامية وأصول الدين والحضارة الإسلامية. «سيدتي» التقت بالبعض منهم؛ للاطلاع على دراساتهم، وأبحاثهم، وظروف معيشتهم.
بداية، يقول عمر حبيب من غانا: «لا أعتبر دراسة العلوم الدينية والفقهية في تونس اختيارًا، بل هي واجب، فعلى كل مسلم أن يتعلّم دينه، وتعلم ديننا لا يكون إلا بالدراسة في كليات إسلامية، وخاصّة في دول عربية لغتها الرسمية هي لغة القرآن، والدافع الثاني الذي دفعني للمجيء إلى جامعة الزيتونة بتونس هو اقتناعي بأنّ الإنسان لا يتقدم إلاّ بالعلم، كما قال سيدنا علي: «من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أراد الدنيا والآخرة فعليه بالعلم»، ونحن هنا ندرس مواد كثيرة مثل علوم الحديث، والسيرة، والفقه، وتاريخ التشريع، والقراءات، وتفسير القرآن، كما ندرس العقيدة، وعلوم الكلام».
وعما يعانيه وزملاؤه في تونس قال حبيب: «ما أعاني منه، ويعاني منه كل الطلبة الذين قدموا من مناطق حارة، هو برودة الطقس في الشتاء في تونس، فنحن لم نعتد على ذلك، وفي هذا البرد القارس لا نتمتع بتدفئة في السكن الجامعي». ويعدد الطالب بعض المشاكل المادية التي يعاني منها على غرار طلبة أجانب من جنسيات أخرى، ويأمل أن تتبنى جمعيات خيرية في تونس أو خارجها مساعدتهم.
أما محمد سراجي، من جزيرة «سومطرة» الإندونيسية، فقد جاء إلى تونس لإتمام تعليمه العالي في اختصاص الشريعة وأصول الدين، مبتعثًا من دولته، ومتمتعًا بمنحة من تونس. يقول إنه درس اختصاص الحضارة الإسلامية وحوار الثقافات مدة خمس سنوات، ثم انتقل إلى كلية الشريعة وأصول الدين لإعداد الماجستير، وكان قد أمضى حال وصوله إلى تونس سنة تحضيرية في تعلم اللغة العربية، وهو يؤكد أنه تعمق في دراسته للفقه الإسلامي، وعلم الاجتماع الديني، مضيفًا: «عندما قدمت أول مرة للدراسة في تونس لم أكن أعرف إلا القيروان، وعبد الرحمن بن خلدون، ولكني اليوم تعمقت في علوم الشريعة وأصول الدين إلى جانب تعلمي اللغة العربية».
وقد استأجر محمد بيتًا في حي قريب من الكلية، ويتقاسم السكن مع ابن بلده رحمت، وهما يتابعان دراستيهما للتعمق في الدين الإسلامي، والفقه، وعلوم التفاسير، وغيرها من الدروس الدينية، ولا يشتكيان إلا من شيء وحيد، وهو غلاء المعيشة في البلاد التونسية، واختلاف نوعية الأكل بين البلدين، وهما سيعودان بعد حصولهما على الماجستير إلى إندونيسيا لتدريس العلوم الدينية، والشريعة، واللغة العربية.
من أجل أن يصبح داعية
أما عبد الرزاق تراوري، من بوركينافاسو، فيقول: «اخترت دراسة العلوم الإسلامية؛ لكي أتعمق فيها، فأنا مسلم وأرغب في تبليغ الدعوة الإسلامية لأبناء بلدي في المستقبل، «خيرنا من تعلم القرآن وعلّمه»؛ لذلك وجب علينا أن نتعلّم ثمّ أن نعلم الأجيال الأخرى، ومن يحتاج إلى الهداية والإرشاد».
وأضاف تراوري: «ليست لدي مشاكل، لكني أعاني من الإحساس بالوحدة، فأنا دائمًا أفتقد عائلتي، وأشتاق لها كثيرًا، وليس بوسعي زيارتها، فرجائي من السلطة المعنية بشؤون الطلبة الأجانب بتونس أن تساعدنا على زيارة أهلنا مرة كل عام، وذلك بالتكفل بتذاكر السفر مثلاً».
من جهته، يقول عبد العزيز بلطي، 22 سنة، من كوت دي فوار (ساحل العاج): «لم يكن ممكنًا في بلدي التعمق في الدين الإسلامي؛ لأنّ كوت دي فوار هي بلد مسيحي، وقد قرّرت دراسة الحضارة الإسلامية؛ لأنني مسلم، ومن واجبي أن أعرف ديني، وأتعمق في فهم مقاصده وفقهه، وبعد إتمام دراستي في تونس وعودتي إلى بلدي أريد أن أكون داعية للدين الإسلامي في بلدي.
ويشكو عبد العزيز من ضعف المنحة التي تقدمها له وزارة التعليم العالي في تونس؛ فهي لا تفي بحاجياته، خاصة أمام غلاء المعيشة في البلاد التونسية. وهو رغم تأقلمه مع نمط الحياة في تونس إلا أنه يشعر بعنصرية قلة من الناس إزاءه؛ بسبب لون بشرته، ولكنه يستدرك: إن أغلب التونسيين طيبون معه، ويتسمون بالتسامح.
«الأحباس في نيجيريا»
أما إبراهيم موسى عمر من نيجيريا، فهو طالب يتمتع بمنحة في تونس، ويدرس بكلية الشريعة وأصول الدين، وهو بصدد إعداد أطروحة دكتوراه وموضوعها: «الأحباس في نيجيريا المعاصرة ودورها في رعاية التعليم» وهو من شمال نيجيريا التي أغلب سكانها من المسلمين، ويقول: «ما يحز في نفسي أني لم أزر بلدي خلال عشر سنوات الدراسة في تونس إلا مرتين فقط، وهو أمر يؤرقني».
في حين اختار ياووس من تركيا أن يعد رسالة الماجستير في اختصاص «الشريعة وأصول الدين» بتونس... وهدفه هو التعمق في العلوم الدينية والفقهية، معترفًا بأنه اختار تونس لقيمة الشهادة العلمية بكلياتها، ولمستوى التعليم الديني الجيد بجامعاتها، وهو غير متمتع بأي منحة، وتتكفل عائلته بكل مصاريف دراسته وإقامته.
بينما يدرس يعقوب جالو من السنغال بجامعة الزيتونة بتونس سنة ثانية حضارة إسلاميّة، ويقول: إن الطلبة السنغاليين يدرسون العلوم الإسلامية في بلدان عربيّة مختلفة، مثل مصر والسودان والسعودية. مضيفًا: إن اللغة المستعملة في السنغال إداريًا هي الفرنسية، واللغة المحلية هي «الأغلوفية».
وأشار إلى أنه في الجامعة التونسية يدرس القرآن وعلومه، والحديث، والحضارة الإسلامية، ويقول: «لنا جمعية الطلبة السنغاليين بتونس» وهي تهتم بمساعدة الطلبة الوافدين للدراسة بتونس، وتسعى لمساعدتهم لإيجاد السكن، وتقديم مختلف الخدمات الأخرى التي تيسر لهم الإقامة والدراسة.
حوار الثقافات
من جانبه اختار جاء ديدان، 22 سنة، من إندونيسيا دراسة أصول الفقه الإسلامي، ويعلل هذا الاختيار بقناعة لديه بضرورة التعمق في هذا الاختصاص، كما أن عائلته شجعته على التعمق في هذا العلم الشرعي، وهو لا يتمتع بأي منحة، وتتكفل أسرته بكامل مصاريف إقامته ودراسته، وقد استفاد كثيرًا من تعلم اللغة العربية، ثم بالتعمق في أمور دينه والتخصص أكاديميًا فيه.
أما محمّد علوان من أندونيسيا أيضًا، فهو يدرس في السنة الأولى «حضارة إسلامية وحوار الثقافات» متمتعًا بمنحة من مصنع بترول «مادكوم» بالمنطقة الّتي يسكنها في وطنه. وهو يؤكد أنه يسعى بتعمقه في الدراسات الدينية والفقه ليكون متشبعًا بدينه، وأنه سيعمل على نشر معارفه بين بني وطنه عند عودته إلى بلده بعد إنهاء دراسته العليا.
ويضيف: «ما فاجأني في تونس هو الطقس، فالمناخ مختلف كثيرًا عن إندونيسيا، ففي بلادي الطقس لا يتغير كثيرًا طيلة أيام السنة، لكن في تونس أرى الفصول الأربعة، وهذا أمر جميل، رغم أني لم أتأقلم معه في البداية».