حسابات

قلت له إنني أحب المطر، ولا يزعجني أن أتبلل.

لم يتوقف عن الاعتذار لي. كان عليه أن يحضر مظلة، ولكن تفاصيل التقرير المالي شغلته تماما. «لا أريدك أن تتبللي...». قال لي وهو يقترب مني أكثر، ويرفع يده وكأنه يريد أن يقيني بها. دقّ قلبي وابتسمت. وقلت له ألا يهتم. لست منزعجة أبدًا. بل بالعكس...

الله يشهد أنني كنت في قمة الفرح. هو، وأنا، والرصيف المبلل، والزخات اللطيفة، ومهرجان المفرقعات القائم داخلي. ذاتي كلها تهتز، والدنيا لا تسعني من السعادة.

تغدينا في مطعم قريب. لو طلب رأيي لاقترحت عليه أن نذهب إلى أقصى المدينة، ونعود مشيًا، ونتبلل، ونقترب من بعضنا.

«لديك ابتسامة رائعة. كأن شمسًا تشرق فجأة بين شفتيك. منظر يخطف الألباب...» همس بغتة، وذبت في مكاني وأنا أصارع رغبة عارمة في البكاء من شدة التأثر.

«بالمناسبة...» أضاف باسمًا: «لم ننه مناقشة النقاط الأخيرة...»

انخرطت رغمًا عني في حديث ممل عن الحسابات. سنعرض التقرير على لجنة إدارية بعد أقل من ساعة. سيقدمه هو. وسأنظر إليه.

هو، زميلي الجديد في العمل. رجل... فاتن. قال إنه لم يرتح لأحد غيري. لم أصدق حظي.

وصلنا إلى مقر الشركة سريعًا. تبلل شعري تمامًا. ولكن ثيابي ما زالت جافة تحت المعطف.

«تظنين أنني على ما يرام؟» سألني بقلق وهو ينزع معطفه. وأومأت له بصمت.

لم أستطع أن أنبس بكلمة. وسامته مذهلة. سيكون نجم الاجتماع.

انزويت جانبًا، وتركته يقدم التقرير.

عيون الحاضرين تتابعه. أربعة رجال، وامرأتان. إحداهما في عمري. تتبعت نظراتهما بمزيج من الفضول والغيرة. تحملقان فيه بذهول. باهتمام. بافتتان.. أسرهما... كما فعل معي تمامًا.

تلت عرضه مداخلات لم أتابعها. بقيت أسترق النظر لموظفتي الإدارة. وأصارع غيظي.

لا يحق لأنثى أن تتطلع إليه كما تفعلان. صار من نصيبي. قال لي كلامًا حلوًا هذا الصباح. وأشعرني بألا يكترث لغيري.

انتهى الاجتماع، وانتقلنا إلى القاعة المجاورة لشرب الشاي، وتحوم الجميع حوله.

كان بإمكاني أن أعرض التقرير وحدي. وكانت ستكون فرصتي لأثير انتباه وفد الإداريين. منذ التحقت بالشركة وأنا أضيع فرص تحسين وضعي. كان يمكنني أن أفعل ذلك... ولكن نظرته المليئة رجاء وتوسلاً جعلتني أغير رأيي. وأقرر أن أضيف اسمه لاسمي، بل أقدمه عليه.

التفت بحثًا عنه. لم أعد أراه. اقتربت من الشرفة، ولمحته هناك، هو وموظفة الإدارة الشابة. عيناها معلقتان به.

خطوت نحوهما. وسمعته يقول لها بنبرة دافئة:

«عفوًا على جرأتي... ولكن... لديك ابتسامة رائعة. كأن شمسًا تشرق فجأة بين شفتيك...»

شهقت دون أن أشعر، والتقت أعيننا، ولم يبد عليه شيء من التأثر.