السبب تسميته بـ«زمزم» ما قالته السيدة هاجر زوج نبي الله إبراهيم، عليه السلام، لما رأت الماء، وأخذت تحيطه بيديها «زمى زمى»؛ خوفًا من ضياعه في الرمال، ويكمن سر الإعجاز فيه أنّ ماءه لا يتعفن ولا يتعطن، ولا يتغير طعمه أو لونه أو رائحته، وأنه مثل عسل النحل الذي لا يتأثر بتعرضه للجو، مختلفًا في ذلك عما يحدث لجميع أنواع المياه الأخرى، كما أكدت أكبر المعامل في العالم؛ لكن اتهامات كثيرة باطلة بتلوث مياه البئر استنادًا إلى أنّ موقع الكعبة المشرفة منخفض عن سطح البحر، ويوجد في منتصف مكة فلابد أنّ مياه الصرف الصحي تتجمع في بئر زمزم كما قال أحد الأطباء عام 1971، وتتجدد هذه الشائعة كل فترة من الزمن للتشكيك في المعجزة الإلهية المتجددة عبر الزمن.
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ماء زمزم: «خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام الطعم، وشفاء السقم»، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تستشفي شفاك الله، وإن شربته لشبعك أشبعك الله، وهي هزمة – أي حفرة– جبرائيل وسقيا الله إسماعيل»، أي أخرجه الله لسقيا إسماعيل أول الأمر، ويستحب لمن فرغ من الطواف حول الكعبة، وصلى ركعتين عند المقام أن يشرب من ماء زمزم، فقد ذهب عبد الله بن المبارك إلى زمزم واستسقى منه شربة، ثم استقبل الكعبة وقال: «ماء زمزم لما شرب له، وهذا أشربه لعطش يوم القيامة، ثم شرب».
حاول البعض تصنيع مياه معدنية لها مواصفات ماء زمزم، ورغم أنّ نسب مكونات ماء زمزم معروفة؛ إلا أنّ كل المحاولات باءت بالفشل، وهذا يؤكد أحد أسرار الإعجاز الإلهي لهذا الماء، فقد أثبت العلم الحديث أنّ ماء زمزم يختلف عن جميع أنواع المياه في العالم، وأنّ فيه تركيبات ربانية لم يتوصل أحد إلى سرها رغم معرفة مكوناتها.
شائعة التلوث
حين انتشرت شائعة تلوث ماء زمزم عام 1971 تم إرسال عينات منه إلى معامل أوروبية لإثبات مدى صلاحيته للشرب، ويقول المهندس الكيميائي معين الدين أحمد الذي كان يعمل لدى وزارة الزراعة والموارد المائية السعودية في ذلك الحين: إنه تم اختياره لجمع تلك العينات، وبدأ بقياس أبعاد البئر، ثم طلب من مساعده أن يريه عمق المياه فبادر الرجل بالاغتسال، ثم نزل إلى البركة ليصل ارتفاع المياه إلى كتفيه، وأخذ يتنقل من ناحية لأخرى في البركة بحثًا عن أي مدخل تأتي منه المياه إلى البركة غير أنه لم يجد شيئًا، وقام بشفط المياه بسرعة باستخدام مضخة ضخمة كانت موجودة في الموقع لنقل مياه زمزم إلى الخزانات، بحيث ينخفض مستوى المياه بما يتيح له رؤية مصدرها غير أنه لم يتمكن من ملاحظة شيء خلال فترة الشفط، فطلب من مساعده أن ينزل إلى الماء مرة أخرى، وهنا شعر الرجل بالرمال تتحرك تحت قدميه في جميع أنحاء البئر أثناء شفط المياه، فيما تنبع منها مياه جديدة لتحل محلها، وكانت تلك المياه تنبع بنفس معدل سحب المياه الذي تحدثه المضخة بحيث إنّ مستوى الماء في البئر لم يتأثر إطلاقًا بالمضخة.
وهنا قام بأخذ العينات التي سيتم إرسالها إلى المعامل الأوروبية، وقبل مغادرته مكة استفسر من السلطات عن الآبار الأخرى المحيطة بالمدينة، فأخبروه أنّ معظمها جافة. وجاءت نتائج التحاليل التي أجريت في المعامل الأوروبية ومعامل وزارة الزراعة والموارد المائية السعودية متطابقة، فالفارق بين مياه زمزم وغيرها من مياه مدينة مكة كان في نسبة أملاح الكالسيوم والمغنسيوم، ولعل هذا هو السبب في أنّ مياه زمزم تنعش الحجاج المنهكين. ولكن الأهم من ذلك هو أنّ مياه زمزم تحتوي على مركبات الفلور التي تعمل على إبادة الجراثيم، وأفادت نتائج التحاليل التي أجريت في المعامل الأوروبية أنّ المياه صالحة للشرب، وقد تجددت محاولة التشكيك في صلاحية مياه البئر للشرب خلال الأشهر الأخيرة، وبالفعل أيضًا تم إرسال عينات من المياه إلى أكبر معامل التحليل في العالم لتؤكد صلاحية مياه زمزم، وأنها بالفعل صالحة للشرب.
مياه غير معالجة كيميائيًا
مياه زمزم الطاهرة لم يتم معالجتها كيميائيًا أو بمواد التبييض كما هو الحال مع المياه التي تضخ للمدن، ففي حالة الآبار العادية يزداد النمو البيولوجي والنباتي داخل البئر، مما يجعل المياه غير صالحة للشرب، لنمو الطحالب، مما يسبب مشكلات في الطعم والرائحة، ولكن في بئر زمزم، لم يكن هناك أي دليل على النمو البيولوجي، وإذا عدنا للمعجزة التي بسببها تكوّن ماء زمزم نتذكر أنّ هاجر بحثت يائسة عن الماء في جبال الصفا والمروة؛ لكي تسقي وليدها إسماعيل، وبهرولتها من مكان لآخر بحثًا عن الماء ضرب وليدها برجليه الرقيقتين على الرمال، فتفجرت بركة من المياه تحت قدميه، وبرحمة الله وقدرته شكلت هذه المياه نفسها كبئر، ومن هنا كان الدليل على مصدر وجود المياه تفسيره يعلمه الله، ولم يستطع العلماء إيجاد تفسير علمي لمصدر وجوده حيث سدت جميع المنافذ من المياه من حوله.
قصة البئر في صحيح البخاري
وردت قصة بئر زمزم في صحيح البخاري/كتاب أحاديث الأنبياء أنه لما قدم النبي إبراهيم –عليه السلام- إلى مكة مع زوجته هاجر وابنهما إسماعيل، وأنزلهما موضعًا قرب الكعبة التي لم تكن قائمة آنذاك، ومن ثم تركهما وحدهما في ذلك المكان، ولم يكن مع هاجر سوى حافظة ماء صغيرة مصنوعة من الجلد سرعان ما نفدت، وودعهما إبراهيم، ولم يلتفت إلى هاجر رغم نداءاتها المتكررة؛ لكنه أخبرها أن ما فعله هو بأمر الله فرضيت، ومضى إبراهيم حتى جاوزهما مسافة وأدرك أنهما لا يبصرانه دعا ربه بقوله «رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ»، بعدما نفد الماء استهل الطفل بالبكاء، ولم تكن أمه تطيق رؤيته يبكي فصدت عنه كي لا تسمع بكاءه، وذهبت تسير طلبًا للماء، فصعدت جبل الصفا، ثم جبل المروة، ثم الصفا ثم المروة، وفعلت ذلك سبع مرات تمامًا، كما السعي الذي شرع من بعدها، فلما وصلت المروة في المرة الأخيرة سمعت صوتًا فقالت: «أغث إن كان عندك خير»، فقام صاحب الصوت وهو جبريل بضرب موضع البئر بعقب قدمه فانفجرت المياه من باطن الأرض، وظلّت هاجر تحيط الرمال وتكومها لتحفظ الماء، وكانت تقول وهي تحثو الرمال: «زم، زم، زم، زم»، أي تجمع باللغة السريانية، ويقول الرسول محمد -عليه الصلاة والسلام- في هذا الأمر: «رحم الله أم إسماعيل لو تركته لكان عينًا يجري»، أي أنّ مياهه كانت ستغدو ظاهرة، وليست تحت الأرض كما هو حالها، وقد اندثرت البئر ذات مرة في العصر الجاهلي، ولم يعرف لها مكان، وقبل دخول الإسلام حتى حلم جد الرسول آنذاك بمن يدله على مكان البئر، ويطلب منه فتحها، وقد استيقظ وركض مهرولاً إلى جانب الكعبة، وحفر في المكان الذي رآه في منامه حتى تحققت الرؤيا.