شكّل إيجاد القلب الاصطناعي الذي يستخدم بصورة دائمة هاجساً لدى المعنيين، سواء كانوا أطباء أو جراحين أو مهندسي طب حيوي، فضلاً عن المصابين. وما تزال البحوث، في هذا الإطار، مستمرة منذ خمسينيات القرن الماضي، علماً أنّها تتركز حول استخدام القلب الاصطناعي بشكل روتيني وبأقل المضاعفات الممكنة وبمتطلبات تشغيل غير معقّدة.
ولا بد من الإشارة إلى أنّ القلب الاصطناعي مكلف للغاية من الناحية المادية، كما أنه يحتاج إلى إمكانيات وخبرات طبيّة معينة، علماً أن زراعة القلب الاصطناعي ليست بهذه السهولة، فهناك قوانين صارمة وشديدة تتحكّم في من يزرع لهم القلب سواء كان طبيعياً أو اصطناعياً أو حتى الأجهزة المساندة. ولم يزرع أي قلب اصطناعي حتى الآن في المملكة العربية السعودية، وإن كانت الخبرات الجراحية والإمكانيات التشغيلية متواجدة، ولكن السبب يتعلّق بالمصنّعين.
«سيدتي» إلتقت الاستشارية في أمراض القلب للكبار في مستشفى الملك فيصل
التخصصي مي الشاهد على هامش مؤتمر «أمراض القلب عند النساء»، واطلعت منها على
عمليّة القلب الاصطناعي.
تتمثّل وظيفة القلب الأساسية في ضخ الدم من جهته اليسرى، بعد أن تتلقاه من الجهة اليمنى، إلى الرأس والبطن والأطراف، كما ضخ الدم من جهته اليمنى بعد أن تتلقاه من جميع أنحاء الجسم إلى الرئتين ليتخلّص هناك من غاز ثاني أكسيد الكربون ويحمّل بالأوكسيجين.
ويعرف «قصور القلب الاحتقاني» والمعروف لدى العامّة بـ «هبوط القلب» بأعراض تنتج عن ضعف عضلة القلب وعدم قدرتها على ضخ الدم بشكل كافٍ، لأسباب عدّة أبرزها:
- أمراض شرايين القلب التاجية حين تسبّب جلطات القلب عند انسدادها.
- أمراض صمّامات القلب الذي يهمل علاجها.
- أمراض القلب الخلقيّة أو التكوينيّة.
- ارتفاع ضغط الدم الشرياني الذي يهمل علاجه.
ويكمن علاج قصور القلب عادةً في الأدوية المختلفة، وقد تتمّ الاستعانة في حالات خاصّة بالعلاجات التداخلية بواسطة قسطرة القلب لتوسيع شرايين تاجية متضيقة، على سبيل المثال، كما قد يستعان أيضاً بأجهزة حديثة يتم غرسها عن طريق القسطرة القلبية أو بجراحة بسيطة لا تستدعي التخدير العام لتنظيم ضربات القلب للبطينين.
ولكن، قد يتطوّر هبوط القلب إلى درجة متقدّمة بصورة تصبح المعالجة الطبية التقليدية بدون جدوى. حينها، يحتاج الطبيب المعالج، إذا توافرت الإمكانيات، إلى اكتشاف احتمالية زراعة قلب يؤخذ من مريض متوفى دماغياً وتبرّع بقلبه، على أن تكون الوفاة الدماغية قد أثبتت عن طريق لجنة طبيّة.
وبما أنه يقلّ عدد المتبرعين بقلوبهم عن عدد المحتاجين لها (لا يزيد عدد المتبرعين في الولايات المتحدة الأميركيّة عن 2000 إلى 2500 متبرع سنوياً)، وتحمل هذه العمليّة مضاعفات ناتجة عن زراعة القلب والأدوية المستخدمة لتثبيط جهاز المناعة بعد الزرع، فقد عمل الأطباء لفترة طويلة لإيجاد بدائل وحلول وإن كانت اصطناعية. ومن هنا جاء دور القلب الاصطناعي.
القلب الاصطناعي
ثمة مفهوم خاطئ عن القلب الاصطناعي أو البديل، إذ يعتقد البعض بأنه أصبح علاجاً دائماً لمرضى هبوط القلب، إلا أنّ الصحيح هو أنّ القلب الاصطناعي يشكّل الحل العلاجي للمرضى الذين بلغوا مرحلةً متقدّمةً للغاية من حال قصور القلب الاحتقاني التي قد لا تمهلهم سوى لأيّام أو أسابيع. حينها، يستخدم القلب الاصطناعي كجسر أو حلّ مؤقت ما بين حال مرضي متقدم أو متدن وبين الوقت الذي يتوافر فيه قلب طبيعي مناسب للزراعة من شخص متوفّى دماغياً.
أنواع الأجهزة الاصطناعية
يوجد نوعان من الأجهزة الاصطناعية أو البديلة لعلاج حالات قصور القلب الاحتقاني المتقدّم، وهما:
1- الأجهزة الاصطناعية الميكانيكية المدعمة أو المساعدة للبطين الأيسر أو الأيمن أو للإثنين معاً، وهي لا تحلّ محلّ قلب المريض أي لا يستأصل قلب المريض عند زرعها، لكنّها تغرس إلى جانب القلب وتوصل به.وتعمل هذه الأجهزة كالمضخة، إذ تساعد البطين على ضخ الدم بكفاءة أكبر. وتتطلّب مصادر خارجية للطاقة تعمل على تشغيل المضخة الاصطناعية الموصلة بالبطين الأيسر أو الأيمن المتأذي.
وثمة نماذج مختلفة من هذه الأجهزة المساعدة تختلف باختلاف حجمها ومصادر الطاقة لديها وطريقة وصول هذه الطاقة للمضخة وطريقة عمل المضخة نفسها وكيفية ضخ الدم من خلالها. وقد تطوّرت هذه الأجهزة المساعدة لدرجة كبيرة بحيث يمكن الآن للمريض المزروعة له التنقل بحرية حاملاً جهازاً خارجياً هو البطارية أو المصدر الخارجي للطاقة والذي لا يزيد حجمه عن حجم حقيبة كتف متوسّطة الحجم.
وقد عمل المتخصّصون في خلال العقود الماضية على تطوير أجهزة تمتاز بالكفاءة وطول فترة الأداء، فضلاً عن حجمها الصغير ووزنها الخفيف كحلّ جذري دائم لبعض المرضى، حتى نال في يناير (كانون الثاني) الماضي أحد هذه النماذج ويعرف باسم «الهارت مايت الثاني» Heart Mate II والذي طوّر من خلال «مركز تكساس للقلب» Texas Heart Institute على موافقة إدارة الطعام والدواء في أميركا FDA للاستعمال الدائم بدلاً من المؤقت لمرضى قصور القلب الاحتقاني. ويمتاز هذا النموذج بصغر حجمه وخفّة وزنه وقدرته على التحمّل. وينتظر أن يحصل جهاز آخر يعرف بجهاز «جارفيك 2000» Jarvik 2000، طوره حديثاً روبرت جارفيك Robert Jarvik وهو مطوّر أول قلب اصطناعي زرع في قلب إنسان عام 1982 على الموافقة. وهناك أيضاً جهاز «قلب برلين» Berlin Heart والذي يمكن استعماله من قبل صغار السن والأشخاص صغيري الحجم كالنساء مثلاً. وقد توطد زرع مثل هذه الأجهزة المساعدة في مراكز عدّة حول العالم.
وتجدر الإشارة إلى وجود غير مركز في المملكة العربية السعودية يقوم بهذه العملية كـ «مستشفى الملك فيصل التخصصي» و«مركز الأبحاث» و«مركز الأمير سلطان لأمراض القلب» و«مركز الأمير سلمان لأمراض وجراحة القلب» في «مدينة الملك فهد الطبية».
2- القلب الاصطناعي الكامل Total Artificial Heart: في حال زراعة القلب الاصطناعي الكامل، يستأصل معظم قلب المريض ويستبدل بالقلب الاصطناعي في خلال عمليّة طويلة ومعقّدة. وبما أنّ حلم المهتمين بهذا الشأن كان دوماً استعمال القلب الاصطناعي كعلاج دائم، فقد تم استخدام القلب الاصطناعي بهذا الشكل لأول مرة في ديسمبر (كانون الاول) من عام 1982 على يد طبيب أسنان متقاعد يدعى بارني كلارك كان مصاباً بتلف شديد بعضلة القلب، وذلك بعد أن جرّب القلب الاصطناعي لسنين طويلة على الحيوانات. وقد تم ذلك في «جامعة يوتاه» في «سولت ليك سيتي» في الولايات المتحدة الأميركية. وكان نموذج القلب الاصطناعي الكامل يدعى «جارفك 7» قد طوّر من قبل روبرت جارفك وفريقه، إلا أن الجدير ذكره أنّ جراح القلب الشهير دينتون كوولي قد قام قبلها بكثير في أبريل (نيسان) من عام 1969 بزرع نموذج لقلب اصطناعي لمريض أصيب بهبوط شديد في وظائف القلب بعد عملية قلب مفتوح، وكان القصد من هذا التدبير هو مساندة المريض إلى أن يتم تأمين قلب طبيعي من شخص متوفى. وقد تمّ ذلك بعد 64 ساعة استمر القلب خلالها بالعمل على أكمل وجه.وعاش كلارك بقلبه الاصطناعي 112 يوماً، فيما عاش المريض التالي 620 يوماً. ولم يكن الأمر سهلاً على هؤلاء المرضى حينها، وما يزال الأمر كذلك اليوم لأنّ طبيعة القلب الاصطناعي الكامل في أشكاله الأولى كانت توجب على المريض أن يظل متصلاً بجهاز تشغيل مضخة القلب الاصطناعي عن طريق أنابيب تدخل عبر جلد البطن إلى محول داخلي متصل بالمضخة ما يعوق الحركة كثيراً!
مشكلات...
بداية، كانت مشكلات القلب الاصطناعي كثيرة، لكنّها خفّت بعد أن تفهّم المتخصّصون كيفية التعامل معها. ولعل أبرزها:نزيف ما بعد العملية، فشل مضخة القلب والحاجة إلى تبديلها، الجلطات الدماغية الناتجة عن خثرات تتكون في داخل القلب الاصطناعي والذي من الممكن أن تتناثر مع الدم، الحاجة إلى استخدام أدوية منع التخثر وما يرافقها من مشكلات النزيف، الالتهابات أو التلوّث البكتيري خصوصاً حول الأنابيب.
وما يزال هذا النموذج الذي استعمل من قبل المريض كلارك يستعمل حتى الآن ولكن تحت مسمّى «قلب كارديو ويست» CardioWest بعد أن أجريت تطويرات وتحسينات عليه، علماً أنّه توقف العمل بنموذج «جارفك 7» في أوائل التسعينيات. وقد تم زرع أكثر من 800 قلب اصطناعي من نوع «كارديو ويست» حتى الآن في العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وكندا وألمانيا. ولكن، بعد أن حصل هذا القلب الاصطناعي على موافقة «إدارة الطعام والدواء» FDA في أميركا عام 2004، لم يعد يستخدم سوى كجسر إلى أن يتمّ إيجاد قلب طبيعي للزراعة، وقد أظهرت الأبحاث أنه يتم في حوالي 70% إلى 80%من الحالات.
وقد طوّر حديثاً نموذج جديد هو الثاني المستعمل كقلب اصطناعي كامل يدعى «ابيوكور» ِAbioCor زرع حتى الآن لعدد صغير من المرضى. ولعلّ ميزته تكمن في أنه مزروع كلياً في داخل الجسم ما بين الصدر والبطن بدون أنابيب تقطع الجلد، ويعمل إلكترونياً! وتجدر الإشارة، في هذا الإطار، إلى أنّ هذا النموذج أيضاً لم يسمح باستعماله حتى الآن إلا كجسر حتى تتم زراعة قلب طبيعي من شخص متوفى دماغياً كالنموذج الأول.