غالبية الأمهات مغرمات بقص الحكايات والقصص للأطفال؛ لتحمل لهم العبرة، وتحكي عن صفات الأبطال، وفي مرات تحكي لتمدهم بمعلومات عن الرسل والمكتشفين والعلماء، وأقوى ما تكون عندما تشرح لهم الأحداث والأيام المباركة التي تمر بهم ويعيشونها. واليوم تحكي أم علياء عن فضل ليلة القدر وقصة ابنتها "عاليا وأحلامها في ليلة القدر".
عاليا -بطلة القصة
هي طفلة صغيرة ذكية، تبلغ من العمر 10 سنوات، تمتلك صفات غريبة أكبر من عمرها، ولهذا دائماً ما يطلقون عليها "سابقة سنها"؛ فهناك دائماً ما يشغلها، فضولية ومحبة للاستكشاف، شغوف بمعرفة كل جديد في مجال برامج الكمبيوتر والألغاز، كثيرة السؤال ولحوح أيضاً حتى الوصول للجواب.
ومن عادات عاليا المحببة انشغالها بجاراتها وصديقاتها بالحي الذي تسكنه؛ فإن مرضت إحداهن سارعت بزيارتها، وعرضت عليها شرح ما فاتها من دروس، وفي كل مرة كانت تطيل الجلسة، وهي مستمتعة بالجو الأسري وشغب الأخوات الصغيرات؛ والسر أن عاليا وحيدة والديها؛ لا أخ لها ولا أخت.
طقوس شهر رمضان
ولأن لشهر رمضان طقوساً جميلة، وخاصة في بيوت كل المسلمين؛ كانت عاليا مستمتعة بقضاء الوقت الطويل بين والديها في وجبتي الإفطار والسحور، منصتة لكل ما يقولان، سعيدة بمشاهدة ما يفعلان، في الأيام الأولى من الشهر الكريم حفزت أم عاليا مشاركتها صغار الحي في شراء الأوراق الملونة، وتعليقها لتربط بين الشرفات.
وعند الوصول للأيام الأخيرة من شهر رمضان، أكثر ما كان يدور الحديث بين الوالدين وتسمعه عاليا، عن أهمية الإكثار من الصلاة والزكاة والدعاء وعمل الخير وتقديم المساعدة لكل محتاج، مؤكدين قول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون".
ومن أحاديث الأبوين وأسئلة عاليا المتكررة، عرفت معنى "ليلة القدر" التي تأتي في العشر الأواخر من رمضان، وفيها ينظر الله تعالى إلى عباده المؤمنين المتعبدين في تلك الليلة؛ فيعفو عنهم ويصفح، ويشفي المريض، ويعطي السائل منهم، ويستجيب لأدعيتهم وتوسلاتهم؛ فتتغير أقدارهم، فمن كان حزيناً يفرح، ومن كان مريضاً يتم شفاؤه، ومن كان محتاجاً وسَّع الله في رزقه.
فضل ليلة القدر
ومن فضل ليلة القدر أنها ليلة التنزيل؛ إذ إنها الليلة التي نزل فيها القرآن الكريم، قال تعالى: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ".
ليلة مباركة الأجر لمَن قامها، وعمل فيها بالخير، وقد وُصِفت بذلك في القرآن الكريم، قال -تعالى: "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ".
ليلة تُفصَّل فيها الأقدار، وتتنزَّل من اللوح المحفوظ إلى صُحُف الكتبَة من الملائكة، وهذه الأقدار تتضمَّن أقدار العباد من أمور الدنيا؛ كالرزق، والأجل، والحوادث، ونحوها، قال -تعالى: "فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ".
ليلة الخير إذ ذكر الله -تعالى- منزلتها، وفضل قيامها، والأجر والثواب المُترتِّب على العبادة والدعاء فيها؛ إذ يُضاعف الله -سبحانه- أجر الأعمال الصالحة في هذه الليلة؛ فأجر العبادة فيها خير من أجر العمل في ألف شهر، قال -تعالى: "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ".
ليلة القدر ليلة السلام؛ إذ يبارك الله -تعالى- فيها الأرض بنزول الملائكة، فيعم الخير والسلام، وتعم الرحمة؛ فيشعر فيها المؤمن بالطمأنينة والسلام، قال -تعالى: "سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ".
ليلة السلام؛ لسلامة العباد من العذاب؛ بطاعتهم لله.
ليلة تُغفر فيها ذنوب من قامها بإخلاصٍ لله -تعالى، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَاناً واحْتِسَاباً، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ".
سُميت بليلة القدر للدلالة على عِظم شأنها، وكذلك لعِظَم أجر وقدر العبادة في هذه الليلة.
هنا توقفت عاليا عن السؤال
وذهبت لغرفتها لتنام، وأغلقت الباب وسارعت وأمسكت بالورقة والقلم لتسجل أحلامها وطلباتها، وكل رغباتها في الغد والمستقبل القريب، فكتبت عن صديقاتها بالمدرسة وجاراتها في الحي، وسألت الله أن تدوم صداقتها معهن للأبد.
وفي السطر التالي طلبت النجاح، وأن يظلل الحب والمودة أفراد أسرتها، وقبل أن تنهي الصفحة كتبت أتمنى لنفسي الصلاح في كل ما أقول وأفعل، وأن يحميني الله من كل شر يقترب مني، وأن توفقني يا الله لعمل الخير.