تعتبر الصدمات النفسية عبر الأجيال موضوعاً معقداً يحتاج إلى اهتمام خاص، نظراً إلى تأثيراته العميقة على الأفراد والمجتمعات. تُعرف هذه الصدمات بأنها تلك التي تنتقل من جيل إلى آخر من خلال الأسرة أو البيئة المحيطة؛ وقد تكون ناتجة عن أحداث كارثية مثل الحروب أو المجاعات أو الأزمات الاقتصادية، أو حتى التجارب الشخصية المؤلمة كالعنف الأسري.
للاطلاع أكثر على هذا الموضوع التقت "سيّدتي" الاختصاصية في علم النفس فانيسا حداد، وكان معها الحوار الآتي:
كيف تنتقل الصدمات عبر الأجيال؟
تنتقل الصدمات عبر الأجيال من خلال التفاعل الاجتماعي داخل الأسرة، حيث يمكن أن تؤثر تجارب الأهل أو الأجداد الصادمة على سلوكهم وتصرفاتهم، مما يؤدي إلى نقل هذه التجارب بشكل غير مباشر إلى الأطفال والأحفاد. كذلك، تشير الأبحاث إلى أن الصدمات النفسية يمكن أن تؤثر على الأجيال المقبلة عبر آليات بيولوجية من خلال التغييرات اللاجينية التي تؤثر على التعبير الجيني.
كيف تنتقل الصدمة عبر الـ DNA؟
تنتقل الصدمة النفسية بالطرق الآتية:
التغييرات اللاجينية
عمليات كيميائية مثل المثيلة (DNA methylation) والتعديل على الهيستونات (Histone modification) التي تؤثر على كيفية تعبير الجينات عن نفسها. عندما يتعرض الشخص لتجارب صادمة، يمكن أن تؤدي هذه التجارب إلى تغييرات في التعبير الجيني عبر الآليات اللاجينية.
التأثيرات على الحمل
الأمهات الحوامل اللواتي يتعرضن للصدمات النفسية يمكن أن يؤثرن على الجنين من خلال البيئة داخل الرحم.
الإجهاد النفسي والهرمونات المرتبطة به مثل الكورتيزول يمكن أن تؤثر على نمو وتطور الجنين. هذه التغييرات يمكن أن تؤدي إلى تعديلات في التعبير الجيني للجنين، مما يجعله أكثر عرضة للمشاكل النفسية والصحية في المستقبل.
التأثيرات عبر الأجيال
الأبحاث أظهرت أن التغييرات اللاجينية التي تحدث نتيجة الصدمات النفسية يمكن أن تنتقل إلى الأجيال اللاحقة.
على سبيل المثال، دراسات على أحفاد الناجين من مجازر تاريخية، أظهرت أنهم يعانون من مستويات مرتفعة من القلق والاكتئاب، مرتبط بتغييرات في الجينات المسؤولة عن الاستجابة للإجهاد.
الأضرار النفسية في الطفولة المبكرة
تسبب الصدمات عبر الأجيال أضراراً نفسية عديدة، تبدأ في الطفولة المبكرة وتستمر في التأثير على حياة الأفراد لاحقاً. والأضرار النفسية تختلف في شدّتها وتأثيرها حسب نوع التجارب الصادمة، ومدى تعرّض الأسرة لها، والقدرة على التعامل معها.
اضطرابات القلق
الأطفال الذين يعيشون في أسر متأثرة بالصدمات قد يُظهرون علامات القلق المفرط، مثل القلق من الانفصال عن الوالدين أو القلق من المواقف الجديدة. يمكن أن تتطور اضطرابات القلق هذه إلى مشاكل أكثر خطورة مثل اضطراب القلق العام أو اضطراب الهلع.
قد يهمك متابعة هذا الموضوع أخطر أنواع الفوبيا تتطلب العلاج النفسي
صعوبات في التعلق
قد يواجه الأطفال صعوبة في بناء علاقات صحية مع والديهم أو مقدمي الرعاية. يمكن أن يتجلى ذلك في سلوكيات الانسحاب الاجتماعي أو التعلق الزائد.
اضطرابات النوم
يمكن أن تؤدي الصدمات النفسية إلى مشاكل في النوم مثل الكوابيس، الاستيقاظ المتكرر، أو صعوبة في النوم. ومن المعروف أن قلة النوم تؤثر على النمو البدني والعقلي للطفل.
تأخر في النمو العاطفي والاجتماعي
قد يُظهر الأطفال المتأثرون بالصدمات تأخراً في تطوير مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي. قد يواجهون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم وفهم مشاعر الآخرين.
ما هي الأضرار النفسية التي قد تظهر في وقت لاحق من الحياة؟
اضطرابات الاكتئاب
الأفراد الذين تعرضوا للصدمات عبر الأجيال قد يكونون أكثر عرضة لتطوير اضطرابات الاكتئاب في سن المراهقة والبلوغ. الاكتئاب يمكن أن يؤثر على الأداء اليومي والحياة الاجتماعية والمهنية.
اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD)
يمكن أن يؤدي التعرّض للصدمات النفسية إلى تطور اضطرابات ما بعد الصدمة، حيث يعاني الأفراد من استعادة التجارب الصادمة بشكل متكرر. هذه الاضطرابات يمكن أن تسبب تدهوراً كبيراً في جودة الحياة.
مشاكل في العلاقات
قد تؤدي الصدمات عبر الأجيال إلى مشاكل في بناء علاقات صحية ومستدامة. يمكن أن تتجلى في صعوبة الثقة بالآخرين، أو الاعتماد الزائد على الآخرين، أو التفاعل العنيف في العلاقات.
سلوكيات محفوفة بالمخاطر
قد يلجأ الأفراد المتأثرون بالصدمات إلى سلوكيات محفوفة بالمخاطر كوسيلة للتعامل مع التوتر والألم النفسي. يشمل ذلك تعاطي المواد المهدئة، أو السلوكيات القهرية الأخرى.
تدني مستوى الأداء الأكاديمي والمهني
يمكن أن تؤثر الصدمات النفسية على القدرة على التركيز والتحصيل الأكاديمي. في الحياة المهنية، قد يواجه الأفراد صعوبة في الحفاظ على وظائفهم أو التقدم في مساراتهم المهنية.
كيف يمكن التعرّف على الصدمات لعلاجها في وقت مبكر؟
لتجنّب تأثيرات الصدمات النفسية على الأطفال وتقليل آثارها عليهم كراشدين في المستقبل، يمكن اتباع مجموعة من الاستراتيجيات والتدخلات الفعّالة؛ هذه الاستراتيجيات تشمل: العناية بالنفس، والدعم النفسي، والتعليم، والمجتمع. وفي ما يلي نظرة على بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها:
التوعية
من المهم زيادة الوعي حول تأثيرات الصدمات النفسية وكيفية انتقالها عبر الأجيال. ويمكن تحقيق ذلك من خلال برامج التعليم المجتمعي وورش العمل.
التدخل المبكر
يجب أن يتوفر الدعم النفسي والعلاج للأفراد الذين يعانون من الصدمات في أسرع وقت ممكن؛ فالتدخل المبكر يمكن أن يساعد في منع تأثيرات الصدمات على الأجيال القادمة.
توفير الدعم النفسي والعلاج
العلاج النفسي، مثل الاستشارات النفسية والعلاج السلوكي المعرفي، يمكن أن يكون فعّالاً في معالجة الصدمات النفسية. يمكن للمعالجين النفسيين مساعدة الأفراد في التعرّف على الأنماط السلوكية الموروثة وتطوير استراتيجيات للتعامل معها. كذلك، يمكن للعلاج العائلي معالجة الديناميكيات العائلية غير الصحية التي قد تساهم في انتقال الصدمات عبر الأجيال.
تعزيز العلاقات الأسرية الصحية
بناء الثقة والتواصل المفتوح بين أفراد الأسرة يمكن أن يساعد في تقليل تأثيرات الصدمات النفسية. قضاء وقت ممتع مع الأسرة يعزز الروابط العائلية ويبني علاقات قوية وداعمة.
تعليم المهارات العاطفية والاجتماعية
تعليم الأطفال كيفية التعرّف على مشاعرهم والتعامل معها بشكل صحي، بالإضافة إلى تعليمهم مهارات حل المشاكل، يمكن أن يساعد في تقليل تأثيرات الصدمات النفسية.
ربما يهمك مطالعة هذا الموضوع حالات الرهاب المحدد.. أنواعها والحالات الأكثر شيوعاً
توفير بيئة داعمة ومستقرة
توفير بيئة مستقرة وآمنة للأطفال يمكن أن يساعد في تقليل تأثيرات الصدمات النفسية. فالدعم المجتمعي من خلال برامج الدعم والمبادرات المجتمعية يلعب دوراً هاماً في تقديم الدعم للأسر.
الرعاية الذاتية للآباء والأمهات
يجب على الآباء والأمهات الذين يعانون من الصدمات النفسية الاهتمام برعاية أنفسهم بشكل جيد والبحث عن الدعم من خلال الانضمام إلى مجموعات دعم أو التحدث إلى مستشار نفسي.
تعزيز الوعي والثقافة الصحية
نشر الوعي حول الصحة النفسية وأهمية معالجة الصدمات يمكن أن يساعد في تقليل تأثيراتها. يمكن للمدارس والمجتمعات أن تلعب دوراً في هذا المجال من خلال تقديم برامج تثقيفية. كما يمكن للسياسات التي تدعم الصحة النفسية والعلاج النفسي أن تساهم في توفير الدعم للأفراد الذين يعانون من الصدمات.
*ملاحظة من "سيّدتي" : قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج استشارة طبيب مختص.